رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


السكوت ليس من علامات الرِّضاء

تزدهر حوادث المرور الشنيعة، كفانا الله وإياكم شرها، في بلاد الفوضى واللامبالاة. ولذلك تجدها ضاربة أطنابها بين ظهرانينا، حيث المرتع الخصب والجمود البشري الذي لا يزال يقدم لها الضحايا بالآلاف دون أن يسأل نفسه سؤالاً بسيطا وبديهياً. أهكذا تكون الحياة؟ جهل وجنون وعدم مبالاة ونهاية مأساوية لأرواح البشر بدم بارد؟ أليس هناك حل لهذه المعضلة التي هي من صنع أيدينا؟ فالسكوت عنها ليس من علامات الرضاء والقبول. وإلى متى سنظل نقدم أبناءنا وآباءنا وأمهاتنا وكل من يعز أو له حق علينا قرباناً لهذه الآلة القاتلة؟ ونحن ساكتون أو صامتون أو غافلون، سمّها ما شئت. ومهما كان من الأمر، فلا بد من وضع حد لهذه المجزرة المريعة. نعم، نحن مسرفون في جميع شؤون حياتنا، وهذا أمر أملته علينا النقلة النوعية المفاجئة من حياة الفقر والعوز والبؤس والحياة الصحراوية الخشنة لعدد كبير منا، إلى عالم الرفاه والمال والخدم والعيش الرغيد. وتغيُّر، تبعاً لذلك، سُبل المواصلات من الوسائل البدائية إلى آخر ما أنتجته المصانع الحديثة من مركبات فارهة وموديلات سرعتها صاروخية. مما أبهرنا وظننا أن ذلك تطور حضاري. ولكن هذا لا يعطينا عذراً لأن نكون أيضاً مسرفين في أعداد موتى الحوادث المرورية.
والشاهد هنا أننا لم نكلف أنفسنا ونبحث عن منقذٍ لنا - بإذن الله - من عنف الحوادث المرورية التي تُغيِّب في اليوم الواحد ما يقارب 20 نفساً دون رحمة أو وجل. ناهيك عن عشرات الإصابات المقعدة والخسائر المادية الكبيرة والآلام الأسرية والنفسية وفقدان الأحباب. أقنعونا أن ما هو حاصل من عدم مقدرتنا على السيطرة على الوضع الحرج الذي يعيشه مجتمعنا من بين المجتمعات الواعية هو أمر محتوم ولا مفر لنا منه ولا ملجأ. ولكن هذا يخالف سنة الحياة. فقد وهب الله بني الإنسان عقولاً يفكرون بها ومقدرة هائلة على حماية أنفسهم ودرء المخاطر التي تهدد أرواحهم ووجودهم. فهل نحن بذلنا قصارى جهدنا للاستفادة من الوسائل العلمية والتجريبية والخبرات العالمية، ليس من أجل العمل على استحالة وقوع الحوادث المرورية، ولكن على أقل تقدير التخفيف من فظاعتها ومن عدد ضحاياها. أبداً، على الإطلاق. فالحوادث في ازدياد وعدد ضحايا الوفيات والعجز البدني في ارتفاع مستمر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولا يزال الشعور بالمسؤولية لدى المسؤولين عند أدنى مستوى ما عدا احتفالية أسبوع المرور في السنة، حتى لا نبخسهم حقهم وننكر مجهودهم. والغريب أن المواطنين متقبلون للوضع وكأنه جزء من حياتهم، وأن الموت بجانب هياكل المركبات أمر مفروغ منه. وهذا غير صحيح. فهناك من وسائل السلامة البديهية والمتيسرة ما يمنع - بإذن الله - وقوع نسبة كبيرة من الإصابات. ولكن طبيعة اللامبالاة المتغلغلة في نفوسنا تلعب دوراً كبيراً في طبيعة تصرفاتنا. حتى أصبح البعض منا يستهزئ بالتقيد بالأنظمة والقوانين التي يتخيلون أنها تجني على حرياتهم الشخصية. وما يدركون أن ما ينفرون منه ربما يؤدي ليس بحرياتهم ولكن بأرواحهم لا قدر الله.
ولن نتطرق هنا إلى ضرورة ترويض النفس وكبح جماح السرعات الجنونية أثناء قيادة المركبة ولا إلى المخالفات المرورية التي غالباً ما تؤدي إلى وقوع الكثير من الحوادث المميتة. فهذه أمور، على أهميتها، تتطلب أجيالاً من التعليم والتثقيف والتربية الأساسية. ولكننا في هذا المقام، نتوسل إلى إخواننا المواطنين بأن يتركوا عنهم الكبِر والتباهي بعدم ربط حزام الأمان. فلقد أثبتت الدراسات والتجارب العلمية أن ربط الحزام يخفف - بإذن الله - ما لا يقل عن 70 في المائة من الإصابات أثناء الحادث المروري. ونحن لا ندعي أن الحزام يصلح لجميع الحالات. ولكن التقيد به يفيد في أكثر من 90 في المائة من الحوادث. ونظن أن فرص الـ 90 في المائة أولى من الـ 10 في المائة، لمن يتصرفون بعقولهم وليس بعواطفهم. ونتمنى لو أن الذين يباشرون الحوادث من رجال المرور والدفاع المدني والإعلاميين يسجلون عند كل حادث وضع الركاب قبل وقوع الحادث، إن كانوا قد ربطوا أحزمة الأمان أم لا. ويقارنون حِدَّة الإصابات بين الحالات المختلفة، لعلنا نخرج بنتيجة مقنِعة حول ضرورة ربط الحزام من عدمه. هذه الملاحظة لا تكلف المباشرين للحادث إلا ثواني من وقتهم الثمين. ولكنهم مع ذلك يحتاجون إلى قسط من التدريب والتوجيه وشرح أهمية هذه الخطوة بالنسبة لمستقبل الأمة.
ولا نود في هذه العجالة أن نعفي رجال وإدارات المرور من صلب مسؤولياتهم عن الحوادث والموت الجماعي الذي يحدث أمام أعينهم ولا يحركون ساكناً، وكأن الأمر لا يعنيهم. صحيح أن رجال المرور أنفسهم بحاجة إلى تنوير وتطوير وتدريب وتقيد بنظم السير وأصول السلامة. وما الذي يمنع من إرسال نخب من رجالات المرور إلى الخارج، أسوة بمئات الألوف من المبتعثين من مختلف التخصصات والمهن؟ لعلهم يكتسبون مهارة إدارة السير واستخدام وسائل السلامة المتاحة من أجل إنقاذ أرواح الآلاف من أبناء الشعب. ونحمد الله أن منَّ علينا في هذه الفترة من الزمن بأكثر مما نحن بحاجة إليه من المال.
وكم هو مؤلم عندما نفقد عائلة كاملة ويبقى أحد أفرادها على قيد الحياة! أو يفقد الوالدين ثلاثة أرباع نسلهم في حادث واحد!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي