تريد حياة جيدة؟ لا تفارق المدينة
إليك هذا النمط الذي نعرفه جميعاً: زوج وزوجة متقاعدان، يعيشان وحدهما بدون أولاد، يبيعان بيتهما ذا السعر المرتفع في المدينة ويرتحلان إلى الريف للتمتع بالسلام والهدوء والحديقة وصيد السمك.
هذا تقليد معمول به منذ وقت طويل في بريطانيا والولايات المتحدة وأوروبا. لكن هناك الآن علامات على أن هذا الاتجاه العام في طور الانعكاس. وبالتأكيد هناك أسباب قوية للغاية على أنه أمر جيد، إذ ربما ينتهي به المطاف إلى تحسين نوعية الحياة للسكان الذين يزداد فيهم عدد المسنين، وفي الوقت نفسه اختصار تكاليف تقديم الخدمات لهؤلاء الأفراد.
حين تفكر في العدد الكبير من الخدمات الثقافية المجانية، أو الرخيصة لكبار السن في لندن وحدها ــ ركوب الحافلات بالمجان، ودخول أفضل المتاحف والمعارض في العالم، وحسومات في دور السينما والمسرح ــ فإن السؤال لا يعود حول ما إذا يجدر بك أن تتقاعد في الريف، وإنما يصبح: ما الذي يدعوك أصلاً إلى مغادرة المدينة؟
بحسب بيانات من الإحصاء السكاني لعام 2011، يتبين أنه نظراً لبعض عمليات إعادة التصنيف، يبقى كبار السن ثابتين في المدن. ومنذ عام 2001 سجلت المناطق الحضرية في بريطانيا نمواً بنسبة 9 في المائة، في حين كان الارتفاع في عدد السكان في المناطق الريفية 2.5 في المائة فقط. وحين تقرأ ما بين السطور تجد أن الريف البريطاني يكثر فيه كبار السن، بينما يبقى عدد أقل من الشباب للعمل في تلك المناطق. وارتفع متوسط العمر بمعدل ثلاث سنوات ليصل إلى 45 سنة في المناطق الريفية، لكنه ارتفع بمعدل سنة واحدة فقط في المناطق الحضرية، حيث وصل إلى 37 سنة، وهو ما يعني توسع الفجوة بين الوضع السكاني للمناطق التي لا توجد فيها كثافة سكانية عالية والمناطق ذات الكثافة العالية.
هذا الاتجاه العام ليس مقصوراً على بريطانيا. فقد ذكرت وزارة الزراعة الأمريكية أن المناطق الريفية فقدت عددا من السكان بين تموز (يوليو) 2012 و2013، وهو اتجاه عام مستمر منذ ثلاث سنوات. وفي حين أن المئات من المناطق خسرت عددا من السكان على مدى سنوات، إلا أن هذه هي الفترة الأولى التي تشهد تراجعاً إجمالياً في عدد السكان في المناطق الريفية الأمريكية.
فحتى عام 2006 تقريبا، كان التوسع في الضواحي والهجرة إلى المواقع الجميلة والترفيهية للمتقاعدين يساعد على إبقاء عدد السكان مستقراً في المناطق الريفية، حتى في الوقت الذي كان فيه الشباب يهاجرون إلى المدن. لكن هذا الأمر توقف، بحسب وزارة الزراعة.
إن تحديات تقديم الخدمات إلى جيل أكبر سناً في مناطق ذات كثافة سكانية منخفضة تعد تحديات معروفة. والأرقام ترسخ في الذهن: منذ عام 2001 ارتفع عدد الذين تبلغ أعمارهم 85 سنة أو أكثر بنسبة 26 في المائة، في حين أن إجمالي السكان ارتفع بنسبة 7 في المائة.
ورسمت دراسة تعود إلى عام 2013، أجريت بناء على طلب من وزارة البيئة والأغذية والشؤون الريفية البريطانية، ومركز الأعمار الدولي، ملامح المشكلات التي يشكلها جيل من كبار السن في المناطق الريفية.
ويقول التقرير: "تواجه المناطق الريفية سلسلة من التكاليف من أجل تسليم الخدمات، بما في ذلك عدم الوفورات في الحجم، والتكاليف الأعلى من حصة الفرد، وارتفاع تكاليف السفر. وهذا يجعل من الصعب للغاية على مقدمي الخدمات الوفاء باحتياجات سكان المناطق الريفية بصورة عامة، واحتياجات المستخدمين من كبار السن بصورة خاصة".
ومن بين عوامل أخرى، هناك عدم القدرة على قيادة السيارات، وهي غالباً ما تكون إرهاصاً بتهديد أكبر لرفاهية كبار السن، وهو الانعزال الاجتماعي.
بعبارة أخرى، التقاعد وكبر السن عندما يقضيهما الشخص في بيئة ريفية دون وجود عائلة قريبة يمكن أن يكون أبعد ما يكون عن الحياة الهادئة. وفي حين أن البريطانيين في عمر 65 سنة أو أكثر في المناطق الريفية، يغلب عليهم أن يكونوا أغنى من إخوانهم الحضريين، إلا أن 18 في المائة منهم تقريباً يعيشون دون خط الفقر.
التجمعات السكانية الخفيفة في المناطق الريفية تعني أن السلطات المحلية غالباً ما يتعين عليها إنفاق مبالغ أكبر لكل فرد من أجل تسليم المستوى نفسه من الخدمة الذي يحصل عليه شخص مسن في المدينة.
ويقترح بعضهم اتخاذ إجراءات معينة: يطالب المعهد الملكي للمهندسين المعماريين شركات التخطيط بأن تفعل المزيد من أجل عدد متزايد من المتقاعدين، من خلال بناء مشاريع التطوير الإسكاني في الشوارع العامة الضعيفة، وإبقاء كبار السن قريبين من المحال التجارية والخدمات ومن بعضهم بعضاً. لكن بالنسبة للساعين إلى تعظيم فرصهم في التقاعد المريح، تشير الدلائل إلى اتجاه واحد: الانتقال إلى المدينة.