«المتكاملة» لو استقبلت من أمرها ما استدبرت ما صُفيت
لم يكن قرار خادم الحرمين الشريفين بتعويض المساهمين في شركة المتكاملة مفاجأة لي، ليس لأنني قريب من القضية بأي شكل، بل لأن الملك عبد الله - حفظه الله، قد عودنا على حل مشاكل الناس والاهتمام بهم شخصيا. المتكاملة قضية تم تعقيدها بشكل غريب، وانتهت (كما قلت في مقالات عديدة سابقة) بظلم المساهمين المكتتبين الذين لم يكن لهم ذنب سوى دعم وتمويل شركة وطنية كانت الأماني فيها كبيرة، لذا لم يكن غريبا أبدا أن يتدخل- حفظه الله - لإنقاذ الناس منها وتعويضهم عن خسائرهم حتى لو تحملت الدولة تلك الخسائر. لكن مكرمة خادم الحرمين الشريفين ورعايته الشخصية لشعبه يجب أن لا تنسينا الدروس المهمة في هذه القضية، وأن يتم فعلا معرفة كيف تم اتخاذ قرارات كان يمكن تجنبها وحفظ أموال الدولة والناس معا، وحفظ الثقة بالسوق المالية وآليات إنشاء الشركات وآليات تصفيتها. ولو أن الشركة المتكاملة تنطق لقالت بعد الأمر الملكي (لو أنني استقبلت من أمري ما استدبرت لما تمت تصفيتي، ولبقيتُ حيةً أرزق).
ماذا لو أن كل طرف في قضية المتكاملة تنازل قليلا من أجل الصالح العام، وتم النظر بهدوء في حلول أفضل من التعنت من أجل بقاء الشركة، كأن تدخل الدولة والصناديق الاستثمارية بدلا عن المؤسسين الذين لم يوفوا بالتزاماتهم، أو أن تبقى تلك الالتزامات (مثلا) دينا عليهم للشركة تطالبهم بها قضائيا.أو على الأقل التوصل إلى حل وسط بحيث تدخل الدولة في جزء ويدفع المؤسسون الجزء المتبقي. أليست مثل هذه الحلول أفضل من أن تدفع وزارة المالية تعويضات تتجاوز المليار ريال، في وقت كان يمكن أن تدفع الصناديق الاستثمارية مبلغا أقل من 650 مليونا وفي استثمارات مربحة! وإذا كانت الدولة ،ممثلة في هيئة الاتصالات، هي التي ستأخذ قيمة الرخصة وستدخل قيمة الرخصة ضمن إيراداتها التي ستنفقها - حتما - على المواطن وخدماته، فلماذا لم تقم هيئة الاتصالات باقتراح حلول متعددة مثل تقسيط مبلغ الرخصة على الشركة. أقول إذا كان سيتم دفع تعويضات المليار من أموال الدولة، فلماذا لم تقم هيئة الاتصالات بتحقيق إيرادات عن الرخصة ولو كانت بالتقسيط (وهي مجرد حق امتياز) بدلا من أن تعود الدولة بسبب تعنت هيئة الاتصالات وتدفع مليارا من التعويضات كان يمكن استثمارها بطريقة أفضل.
ما أود طرحه ليس نقدا لأحد، وليس له أي أبعاد أخرى غير مناقشة قضية تم إغلاقها، ولكن لكي نعرف أنه يجب علينا تطوير سجل لتلك الأزمات التي نقابلها وأن نطور أدواتنا لحلها من خلال خبراتنا السابقة لا أن يتم الهروب من هذه المشاكل بأن نلقي همها وحلها على كاهل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله - رعاه الله وسدده. حتى أصبحنا كأولاد مندفعين لرجل وقور، متحمسين نتخذ العديد من القرارات المستعجلة على أساس أن من ورائنا أباً حاناً واثقاً بنفسه وبقدرته، ملأته التجارب خبرة وحنكة. نخطئ ليأتي دوما ويعالج كل أخطائنا بسهولة وببساطة، وبدلا من أن نقف ونسأل لماذا أخطأنا نعاود الركض مستأمنين بهذا الوالد.
بعد أن صدر قرار خادم الحرمين الشريفين بتعويض المساهمين تبين أنه كان أمام المتكاملة فرص كثيرة للحياة والبقاء، والمساهمة في النشاط والنمو الاقتصادي، فقد كانت فكرة ممتازة، والسوق يحتاج إليها، تنازع أمرها بين رجال الأعمال ورجال الدولة، تم تجاوز النظام أكثر من مرة في الموضوع، منذ إنشاء الشركة، وحتى تعليق تداولها، لم تكن هناك مبررات اقتصادية كافية للعديد من القرارات وحتى تقرير مراجع الحسابات، كل ذلك تم شرحه في مقالات سابقة لمن أراد المزيد من التحليل. جاء قرار خادم الحرمين الشريفين لينصف المساهمين من بين كل الأطراف وينتصر لهم، وبينما على المؤسسين انتظار التصفية ونتائجها كانت الدولة تتحمل جزءا من الخسائر أيضا، فلو أن كلا الطرفين عالج القضية بطريقة أفضل لكانت الخسائر عليهما أقل، لكن أذكرهم جميعا بقول الفرزدق "ولو أني ملكت يدي ونفسي لكان إليَّ للقدر الخيار".
هنا أعود بالذاكرة إلى أزمة السوق المالية عام 2006، وأتذكر أنني طالبت مجلس الشورى بالنزول إلى الميدان وأن يقف بنفسه على أسباب المشكلة ليس لكي نحقق مع أحد أو حتى نعاقب هذا أو ذاك، بل فقط لكي نتعلم من الدروس ويكون لدينا سجل لدراسات عن حالات كان يمكن حلها بطريقة أفضل، فلقد تبين أن التاريخ والقضايا تعيد نفسها ليس مع الجيل نفسه بل مع الأجيال التي تليه، لذلك أدعو مرة أخرى إلى قيام مجلس الشورى بدارسة قضية المتكاملة، وأن يعقد جلسات استماع موثقة مع كل الأطراف، ليس الهدف منها معاتبة أو معاقبة أحد بل فقط لتكون لدينا وثيقة للأجيال حتى لا تتكرر الأخطاء مرة أخرى.