انسحاب مفاجئ لمقتدى الصدر من العمل السياسي في العراق
اعلن الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في قرار مفاجئ قبل اكثر من شهرين من الانتخابات البرلمانية، انسحابه من العمل السياسي في البلاد واغلاق مكاتبه السياسية وحل تياره، من دون ان يتضح ما اذا كان هذا القرار موقتا او دائما.
واحدثت هذه الخطوة صدمة لدى مسؤولي تيار الصدر، احدى ابرز الشخصيات السياسية التي لعبت دورا اساسيا في اعادة بناء النظام السياسي بعد سقوط صدام حسين في العام 2003، وقائد احدى اكثر الحركات الشيعية نفوذا وشعبية في البلاد.
ويسدل هذا القرار في حال كان نهائيا، الستار على مسيرة حافلة بدات بمعارك ضارية مع القوات الاميركية التي اجتاحت العراق في 2003، وانتهت بنزاع عسكري سياسي مع رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي الذي يحكم البلاد منذ 2006.
وقال الصدر في بيان تلقت وكالة فرانس برس نسخة منه الاحد "اعلن عدم تدخلي بالامور السياسية كافة وان لا كتلة تمثلنا بعد الان ولا اي منصب في داخل الحكومة وخارجها ولا البرلمان".
واضاف الزعيم الشيعي الذي شكل في السابق ميليشيا عسكرية اطلق عليها اسم "جيش المهدي" قبل ان يجمد اعمالها العسكرية "اعلن اغلاق جميع المكاتب وملحقاتها على كافة الاصعدة الدينية والاجتماعية والسياسية".
وابقى الصدر بعض المؤسسات الخيرية والتعليمية والاعلامية مفتوحة.
وبرر الصدر قراره بالقول انه جاء "حفاظا على سمعة آل الصدر (...) ومن منطلق انهاء كل المفاسد التي وقعت او التي من المحتمل ان تقع تحت عنوانها (...) ومن باب الخروج من افكاك الساسة والسياسيين".
وفي وقت لاحق، اصدر الصدر بيانا ثانيا اعلن فيه ان "على المؤسسات والمكاتب والمراكز التابعة لمكتب السيد الشهيد الصدر (...) كافة المشمولة" ببيانه السابق "الاستعداد لتصفية جميع امورها الادارية والمالية".
وقال مسؤول في مكتب الصدر في النجف لفرانس برس ان "لا احد يرغب في مناقشة هذا القرار لانه قرار مفاجئ"، مضيفا ان جميع مسؤولي تيار مقتدى الصدر "اغلقوا هواتفهم ولا يريدون التعليق ابدا".
وتابع ان الصدر "قد لا يعود عن قراره خلال ثلاثة اشهر لانه قرار قوي".
وذكر مسؤول اخر في احد مكاتب الصدر في بغداد لفرانس برس ان "القرار شكل صدمة لنا، ولا نعرف حيثياته، ولا تبعاته، ولا اذا كان موقتا او دائما".
من جهته، ابلغ موظف في مكتب الصدر السياسي الرئيسي في بغداد فرانس برس انه توجه الى العمل صباح الاحد، الا انه وجد الابواب موصدة.
وراى المحلل الخبير في شؤون العراق في مجموعة "ايه كي اي" الاستشارية البريطانية جون دريك ان الصدر "قد يكون بصدد محاولة الابتعاد عن المسار الانتخابي الذي لا يحظى بشعبية (...) وقد يكون ايضا في صدد محاولة لعب دور مؤثر بعيدا عن اي انخراط انتخابي مباشر".
ويملك الصدر مكاتب سياسية في معظم انحاء البلاد، ويتمثل تياره في البرلمان ب40 نائبا من بين 325، وفي الحكومة بستة وزراء، ابرزهم وزير التخطيط علي شكري، اضافة الى منصب النائب الاول لرئيس مجلس النواب الذي يتولاه قصي السهيل.
ويتمتع الصدر المولود مطلع السبعينات، بشعبية هائلة في اوساط فقراء الشيعة وخصوصا في مدينة الصدر ذات الكثافة السكانية العالية في بغداد.
وقد ورث مقتدى الصدر هذه الشعبية من والده المرجع محمد محمد صادق الصدر الذي قتله النظام السابق في 1999 مع اثنين من ابنائه.
وجاء قرار الصدر الذي يطلق عليه لقب حجة الاسلام والمسلمين والذي بات يصب تركيزه في الاشهر الاخيرة على متابعة تعليمه الديني في النجف وايران، قبل اكثر من شهرين على الانتخابات البرلمانية المقبلة المقرر تنظيمها في نهاية شهر نيسان/ابريل.
كما جاء قرار الصدر بابعاد ممثليه في البرلمان والحكومة عنه واغلاق مكاتبه السياسية في خضم موجة غضب شعبي عارم جراء اقرار البرلمان لامتيازات لاعضائه لدى تقاعدهم، علما ان وسائل اعلام عراقية ابرزت مؤخرا اسماء ممثلين لتيار الصدر صوتوا لصالح القانون.
وقال الموظف الحكومي حيدر فاضل عباس (34 عاما) الذي يعمل في النجف لفرانس برس انه "قرار صائب لانه (الصدر) افهم بابناء التيار سواء كانوا قواعد شعبية او سياسيين وكل هذا يدخل في مجال التربية الاجتماعية والسياسية".
واضاف "عندما يبدأ الاصلاح بابناء التيار الصدري فهذا يصب في مصلحة العراق، فالابن يخطئ والاب يصلح".
وتابع ان "السبب في هذا القرار هو التخبطات السياسية الفاشلة فقد كان السيد (مقتدى الصدر) يوصيهم بالا ينظروا لانفسهم قبل ان ينظروا الى المجتمع (...) واتخاذ السيد مقتدى الصدر لهذه الخطوة يعتبر طاعة لله وللمرجعية".
وقال من جهته احمد محسن جبار الذي يملك محلا لبيع التجهيزات الطبية ان "قرار السيد صحيح واكيد ان له هدفا، فنحن لا نشكك به، وقد جاء بسبب تنزل السياسيين للامور الدنيوية والشخصية".