الطيران المدني ومطالبات الموظفين
معطيات العمل الحالي تؤكد أن قطاع الطيران المدني يشهد إخفاقات متكررة، وبطئا في النمو، ومشاكل متراكمة وما زال القطاع يغرد خارج السرب رغم كل الفرص التي أتيحت له ليكون لاعبا محوريا في التنمية الاقتصادية، إذ يراوح مكانه مكبلا بمتاريس "البيروقراطية" والأداء الحكومي الرتيب، والأفكار التقليدية، بعيدا عن معطيات العمل الاقتصادي الحيوي والمؤسسي المرن التي تعمل بها هيئات الطيران المدني الناجحة في العالم والتي جعلت منها قطاعات محورية في التنمية الاقتصادية تعج بالحياة وصناعة الفرص الاستثمارية المتجددة سواء في قطاع المطارات التي تحولت إلى أسواق مستقلة، أو حركة الطيران التي لا تهدأ وهي تفتح المزيد من الآفاق التنموية.
هيئة الطيران المدني التي تحاول أن تجد لها موقعا بعد فصلها عن وزارة الدفاع وإشرافها على قرابة 27 مطارا إلا أن لغة الأرقام تكشف عن ارتباك يحاصرها، فبلد بحجم المملكة ليست لديه سوى شركتي طيران محليتين، وحجم حركة السفر لم يتجاوز 27 مليون مسافر سنويا، وفرص العمل المتحققة سنويا لا تتجاوز 2000 فرصة عمل، بينما تؤكد الأرقام أنه بإمكان قطاع الطيران تحقيق عائدات استثمارية تتجاوز 50 مليار ريال سنويا، وأن سوق السفر لدينا يستوعب ست شركات طيران محلية، وأن فرص العمل التي يمكن أن يحققها القطاع في الوقت الحالي لا تقل عن 50 ألف فرصة عمل، وأن حجم المسافرين بإمكانه أن يصل إلى 60 مليون مسافر ويرى خبراء النقل والطيران أن هناك تفاصيل واعدة في صناعة النقل الجوي لم تنل الاهتمام الكافي سواء بالاستثمار في المطارات وتشغيلها، أو إنشاء خطوط جوية جديدة، أو الاستثمار في القطاعات الثانوية كالشحن الجوي، والإسناد والمناولة الأرضية، والأسواق الحرة في المطارات. أما على مستوى المطارات فلا تزال حركة الطيران تعتمد بشكل أساسي على مطارات الرياض وجدة والشرقية والمطارات نفسها تعاني مشاكل في بنيتها التحتية، وغياب المحفزات الاستثمارية بعكس الاتجاه المتسارع في دول العالم الذي يجعل من المطارات مدنا متكاملة من الخدمات، ومعالم بارزة تعكس هوية البلد وتطوره، وبقية المطارات المحلية متواضعة جدا وأحيانا تبدو شبه مهجورة لقلة عدد الرحلات منها وإليها، رغم ضيق الناس وشكواهم واضطرارهم إلى قطع المسافات الطويلة من أجل البحث عن مقعد شاغر للسفر.
أما قلة عدد شركات الطيران فهناك اتهامات كثيرة للهيئة بأنها وقفت بشروط تعجيزية أمام طلبات الكثير من الشركات ولم تتعامل معها بمنطق السوق فلا نحن استفدنا ولا هم، وأظن أن الهيئة أضاعت وقتا طويلا في حل مشكلة واضحة، وقرأت لبعض مسؤولي الشركات التي تقدمت بطلب ترخيص للنقل الداخلي أنهم فوجئوا بالكثير من الشروط التي ليس لها علاقة مباشرة بالعمل من داخل السوق، وطالما أن الهيئة ليست جادة في التعامل مع الشركات الأجنبية للعمل في السوق المحلي فلماذا لم تبادر إلى تحفيز المستثمرين لإنشاء شركات محلية وطرح أسهمها للاكتتاب العام؟
والوضع لا يختلف كثيرا خارج الهيئة عن داخلها فمنسوبوها لا يكفون عن الشكوى من تفشي المحسوبيات.
إن الإخفاقات المتكررة لقطاع الطيران المدني قد تقودنا إلى الخلف ما يجعلنا نطالب قيادات هيئة الطيران المدني بإتاحة الفرصة لغيرهم ممن لديهم القدرة على النهوض بالقطاع إلى مكانه الطبيعي، وكثر الله خيرهم.