الرئيس الروسي يعلق مستقبله السياسي على نجاح سوتشي
فلاديمير بوتين نادراً ما يتحدث بضمير المتكلم المفرد، لكن بالنسبة لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية، تخلى عن كلمة "نحن" المبجلة التي تستخدم عادة من قبل القادة الروس.
قال بوتين أثناء تصويره في ساحة التزلج في سوتشي: "يسعدني بصفة خاصة أن أرى ما يحدث هنا، لأني شخصياً اخترت هذا المكان". الشمس تومض على نظاراته الواقية الموضوعة على جبينه عندما يشير بذقنه إلى مجمع غازبروم للتزلج، قائلا: "لا بد أن ذلك كان في عام 2001 أو 2002. كنا نقود السيارة حول هذه المنطقة ووصلنا إلى هذا الجدول، وقلت: دعنا نبدأ من هنا! وبهذه الطريقة بدأ كل شيء".
البارحة، حيث لا تزال الانطباعات عن مراسم افتتاح الألعاب الأولمبية تنطبع في الأذهان، بث التلفزيون الحكومي هذا الحدث الأسطوري في كل بيت روسي. وهو جزء من برنامج وثائقي يمجد بوتين باعتباره الرجل الذي صنع ألعاب سوتشي - باتخاذه قرار استضافتها وتوجيه الشركات الروسية لبناء كل شيء من الصفر، وكسب التأييد الدولي لروسيا.
راهن بوتين، على خلاف أي سياسي آخر، بمصيره السياسي على الألعاب. ويتساءل محللون ما إذا كان بإمكان ألعاب سوتشي تنشيط الرئاسة التي فقدت بريقها في العام الـ 14 لوجود بوتين في السلطة، والتي قد تحدد مدى الاستقرار الذي ستكون عليه روسيا في السنوات المقبلة، ومن الذي سيقود هذا البلد الشاسع والمكافح بعد انتهاء فترة ولايته في عام 2018.
يقول سفيان زيموخوف، وهو باحث زائر في جامعة جورج واشنطن: "إذا سارت الأمور بشكل جيد، سوف ينظر إلى بوتين على أنه زعيم قام بإحياء روسيا". ويضيف: "الفشل يمكن أن يعترض إعادة انتخاب بوتين، حتى لو كان ذلك لا يزال على مسافة بعيدة. إلا أنه لن يغفر له". وحتى الآن، الحماس العام لسوتشي يبدو فاتراً، على الرغم من أن العديد من الروس يأملون في الميداليات الذهبية. وتظهر استطلاعات الرأي أن أكثر قليلاً من نصف عدد السكان فقط يعتقد بأن استضافة الألعاب كانت القرار الصحيح.
ومن الخارج يبدو أن بوتين بالكاد يحتاج إلى دَفعة. فبعد تدخله في الأزمة السورية الذي حال دون هجوم الولايات المتحدة على البلاد، وعرقلة اتفاق الارتباط بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي، بات قوة على المسرح العالمي. لكن محلياً يبدو بوتين أقل إقناعاً بكثير مما كان قبل بضع سنوات.
تقول كسينيا بليخانوفا، أستاذة اللغة والأدب الروسي في موسكو: "جميع طلابي الأجانب يعبرون عن الكثير من الاحترام لبوتين باعتباره زعيما قويا من النوع الذي تحتاج إليه العديد من البلدان. لكنه خيب أملنا نحن الروس".
وبعد أن سحق حركة المعارضة التي لطخت عودته لمنصب الرئاسة في أوائل عام 2012 – بعد تبديله مع ديمتري ميدفيديف، رئيس وزرائه – ليس هناك الآن من ينازع بوتين على السلطة. لكن الاعتقاد السائد بين أغلبية الروس بأنه يقود البلاد في الاتجاه الصحيح يتلاشى.
ووفقاً لدراسة نشرتها الشهر الماضي مؤسسة ليفادا سنتر، وهي مؤسسة استطلاعات الرأي الأكثر استقلالاً في روسيا، يمكن لبوتين أن يفوز في الانتخابات الرئاسية بفارق كبير إذا أجريت الآن. لكن شعبيته انخفضت في الفترة الأخيرة إلى مستوى جديد متدن.
وقال 29 في المائة فقط من جميع المشاركين في الاستطلاع إنهم سيصوتون لصالح بوتين، وهي أقل من نسبة 35 في المائة كانت قبل عام، وأدنى رقم قيس منذ كانون الأول (ديسمبر) لعام 1999. لكن عند استبعاد المترددين، يحصل بوتين على نسبة 68 في المائة من أفراد العينة، وهي نسبة أعلى من أي وقت مضى، بينما تضاءل الدعم لميدفيديف وغيره.
وبعد أن أصبح بوتين رئيساً لروسيا، خلفاً لبوريس يلتسين في أواخر عام 1999، نجح في تعهداته بالقضاء على التمرد في الشيشان، وبناء دولة فعالة، وتطهير الاقتصاد من تأثير أنصار حكومة القلة.
وفي فترة ولايته الثانية، بدءا من عام 2004، نسب الكرملين الفضل إلى بوتين في الطفرة الاقتصادية التي كان في الواقع يغذيها ارتفاع أسعار النفط.
والاقتصاد الآن متعثر. وفي الوقت نفسه عدم الرضا حول الفساد بين المسؤولين ورؤساء الشركات من المحيطين ببوتين نفسه آخذ في النمو، كما أن التهديد الإرهابي من شمال القوقاز المضطرب عاد بمنتهى القوة. وفجأة، يبدو بوتين كما لو كان قد خسر نصه الأصلي.
يقول دبلوماسي غربي في موسكو: "ما هي رواية بوتين؟ كنت أعرف ماذا كانت – لقد كانت قوية جداً، على الرغم من عدم صحتها. لكنني لا أعرف ما هي عليه الآن".
والشعور بالتسليم الذي كشف عنه الجزء الثاني من الاستطلاع وهو عدم وجود بديل أمام بوتين، يعد علامة على كيف أن الرئيس صمم الدولة لتناسب احتياجاته الخاصة.
فبمرسوم حكومي، أنشأ ثماني مقاطعات اتحادية، كل واحد منها برئاسة مبعوث عينه بنفسه - وهو هيكل لا أساس له في الدستور ويقول عنه الساسة الإقليميون إنه يقوض الفيدرالية.
كذلك عملت إدارة بوتين على التخلص من معظم وسائل الإعلام المستقلة وفرضت رقابة داخلية صارمة في التلفزيون الرسمي، حيث تعطي للمشاهدين "وجبات" من المعلومات يتم تجهيزها في "مطبخ" الكرملين. ويقول إيفان كوريلا، وهو أستاذ في جامعة فولجوجراد: "أخذ الجمهور يدرك الآن وينظر إلى بوتين باعتباره جزءاً من البيئة، وليس مثل السياسيين الغربيين الذين يتعين عليهم تحمل المسؤولية. العلاقة مع الناس مختلفة تماماً".
لكن يبدو أن بوتين يرى أن هذا ليس كافياً. فمنذ عودته إلى منصب الرئاسة في أيار (مايو) 2012، شددت إدارته القبضة على المجتمع المدني واستهدفت المثليين. وفي الوقت نفسه راح بوتين ينادي بالنزعة المحافظة ووصف روسيا بأنها البلد الذي يدافع عن القيم التقليدية ضد الغرب المنحل.
وتقول تانيا لوكشينا، رئيسة برنامج روسيا في منظمة هيومان رايتس ووتش: "تشعر كأنك أمام رؤيا للتدمير التام".
والمحيطون ببوتين يرفضون الانتقادات التي من هذا القبيل، ويشيرون إلى استمرار وجود الليبراليين بين موظفيه، خصوصاً في فريقه الاقتصادي. ويقول مسؤول كبير في الكرملين: "بوتين برجماتي. والواقع أنه ليبرالي".
يوافق معظم المراقبين على أن الوضع الذي سيتحول إليه بوتين في نهاية المطاف يعتمد على كيفية سير الأمور في سوتشي. وحين تعلم أن إجمالي الاستثمارات بلغ 50 مليار دولار حسب التقديرات، مع نشر أعداد من رجال الشرطة والجيش تصل إلى 63 ألف فرد – ناهيك عن 400 آلة لصنع الثلج – تجد أن بوتين لا يريد أن يجازف.
تقول لوكشينا: "في الوقت الحاضر ليس هناك أفق سياسي. في كل مرة تسأل فيها المسؤولين الحكوميين حول ما سيحدث بعد الألعاب، يقولون لك: دعنا ننتهي من هذا أولاً".