رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المؤسسة العامة عضو مرتبك في جسد التعليم

نحن في دولة محكومة بالأنظمة والمجالس والدساتير، لا استثناء لأي مؤسسة كانت أن تبقى في وضع مخل بأمن وسمعة البلد – لا سمح الله، هذا ما نفترض وجوده دائما، لكن حين تكون هناك مؤسسة خارجة عن كل الأنظمة ورافضة لكل قرارات التصحيح والتوصيات التي صدرت بتصحيح وضعها فالصورة تضطرب لدي وتنتابني حالة من القلق والأسئلة اللا منتهية وعدم الفهم لما حولي.
أنا لا أتحدث من فراغ، لكن عن قرب ومعايشة ومعرفة عميقة بما أكتبه. وقبل أن أتحدث عن المؤسسة الخارجة عن القوانين فلا بد من التذكير بالتطورات الهيكلية التي اقتضت في فترات سابقة دمج بعض مؤسسات التعليم العالي، وإلغاء البعض الآخر، بهدف تجويد المخرجات، وتوحيد الجهود، وإيقاف الهدر المادي، والازدواجية التي كانت تعانيها مؤسسات التعليم العالي، وتقليص الأعداد الهائلة من خريجي التخصصات النظرية الذين كانوا عبئا على سوق العمل، خضع الجميع لكل القرارات لم تعد هناك كليات صحية، ولا كليات معلمين، ولا كليات بنات، ولا معاهد معلمات تتبع للوزارات ولا معاهد صحية تخرج لنا مخرجات ضعيفة لتضيف المزيد من الأرقام في خانة البطالة، أصبحت لدينا جامعات وأقسام متخصصة، ووزارة واحدة تشرف على كل ما يتعلق بالتعليم ما بعد الثانوي وأصبحت وزارة التعليم العالي تراقب الكثير من الأقسام وتقلص القبول أو توقفه كلما دعت الضرورة.
كل قرارات المجلس الأعلى للتعليم واللجنة العليا للتنظيم الإداري وتوصيات متكررة لمجلس الشورى بأن تطبق هذه القرارات بالمثل على "المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني" لم ينفذ منها شيء وبقيت المؤسسة عضوا مرتبكا في جسد التعليم الكبير.
تتحمل المؤسسة اليوم تبعات 16 ألف خريج ضمن قوائم حافز للعاطلين خلال العام الماضي، وهي مسؤولة مسؤولية تامة عن تسرب 33 ألف طالب من معاهدها وكلياتها في أكبر عملية هدر مادي وبشري على الإطلاق، وتتحمل أيضا تبعات أضعف مخرجات على الإطلاق في سوق العمل، واسألوا مؤسسات الدولة وعلى رأسها: "سابك"، "أرامكو"، "التحلية"، و"الكهرباء"، التي تعيد تأهيل خريجي المؤسسة ليكونوا في مستوى مسؤولياتها، وهي مسؤولة عن شباب بعشرات الآلاف وبنات محكوم عليهن بالبطالة مدى الحياة، فلا فرصة لهم لإكمال دراستهم، ولا وظائف لديهم، ولا مهارات تؤهلهم، فضلا عن مليارات تهدر على مشاريع توسعية وأخرى متعثرة، وكلها عديمة الجدوى.
اخترعت المؤسسة من الأنظمة الالتفافية على قرارات الدولة الكثير لتستمر أكبر وقت ممكن، لكنها الآن في وجه الزمن وحركة التغيير التي لا تستثني أحدا, فمجالس التعليم أصبح اسمها التدريب، والمناهج المحكمة علميا أصبحت بدلها حقائب هزيلة علميا وضعيفة، وأكثر من 1500 عضو هيئة تدريس من حملة الماجستير والدكتوراه ذوي التأهيل الرصين تم تطفيشهم، واستبدلوا بمدربين لا يستطيعون تقديم ما يرضي تطلعات الناس، فأصبح خريج البكالوريوس عديم الخبرات عميدا لكلية! ولا تسأل بعد ذلك عن القرارات، والخطط النصفية تحولت إلى خطط ثلثية ليقضي المتدربون معظم أيام السنة في الحذف والإضافة والتسجيل، وحين يئسوا من عدم قدرتهم على التغيير والتطوير سلموا بعض هذه الكليات إلى شركات يزعم أنها أجنبية في عملية غامضة تفتقد أدنى معايير الشفافية، ولم تستطع المؤسسة أن تواري فشلها رغم أنها تفرغت للتصريحات الإعلامية وجندت لنفسها عددا كبيرا من إدارات العلاقات الإعلامية في كل منطقة فأصبحت تعيش المؤسسة اليوم سخطا داخليا وسخطا خارجيا وفشلا يحاصرها من جميع الجهات، ولا يكاد يمر يوم دون تأسيس موقع إلكتروني أو تجمع احتجاجي هنا أو هناك من منسوبيها الذين أربكتهم القرارات المتضاربة والخطط الاجتهادية التي لا تخضع إلا لرؤية معديها، وبدلا من إقالة قياداتها ومحاسبتهم على تجاربهم العبثية فوجئنا بهم يعودون مرة أخرى مديرين وقادة لما يسمى "التشغيل الذاتي" للكليات المتعاقدة ليعيدوا إنتاج فشلهم الذريع.
تصريحات مسؤوليها تجاوزت كل الآفاق وأصبحت مثار الشفقة، فهذا يعد بتأهيل 200 ألف شاب، وآخر يعد بتوظيف كل العاطلين، وثالث سيوفر 40 ألف مدرب عالمي، وقس على ذلك، ويأتي المسؤول الأول في هذه المؤسسة أمام أعضاء مجلس الشورى ليعلن حاجته إلى مزيد من الأموال والاعتمادات .. أي أموال يا رجل ألا يكفي ما أهدرتموه؟!
كل المخلصين والغيورين على هذا الوطن كتبوا وطالبوا وناشدوا تصحيح مسار المؤسسة وإعادة تفكيكها وضم كلياتها إلى التعليم العالي وتقييم بقاء معاهدها وتسليمها إلى جهات أكثر قدرة على إدارتها، فالوطن لدينا أهم من مجاملة أشخاص على حساب أمنه وسمعته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي