التعاون مع المراكز البحثية .. مكاسب تسويقية أم وطنية؟
هارفر، جون هابكنز، كليفلاند كلينك، مايو كلينك، ماكماستر، أوكسفورد، إم آي تي، والقائمة تطول .. أسماء عريقة يتنافس على التعاون معها ليس فقط جامعاتنا أو مستشفياتنا، بل العديد من دول العالم من أجل توقيع اتفاقية ولو محدودة الأهداف. لا شك أن التعاون مع الجامعات أو المراكز الطبية الرائدة مكسب لكل جهة تسعى لرفع مستوى الجودة أكاديميا أو صحيا أو علميا. لكن المشاهد أن البعض بالغ في سعيه الحثيث، من أجل الارتباط مع هذه المراكز العلمية إلى درجة التوقيع ولو على اتفاقيه شكلية بغض النظر عن انعكاس هذا لاتفاقية أكاديميا أو معرفيا. هذه العقلية التي تريد أن توقع اتفاقيات شكلية وترضى ولو بالقشة مع هذه المراكز العلمية المرموقة، قادها هذا الهوس أن يكون الهدف لديها توقيع اتفاقية وليس مخرجات هذه الاتفاقية. كما أن البعض يهدف من خلق تعاون مع جهات أكاديمية مرموقة ليس نقل المعرفة أو الخبرة، وإنما من أجل نشر خبر صحافي يكون جزءا من الدعاية الإعلامية لهذه المؤسسات أو الجامعات أو من أجل تحقيق أهداف شخصية تتعلق بالبحث العلمي أو غيره. أما بالنسبة لتلك الجامعات أو المراكز المتميزة فكثير من الاتفاقات التي توقعها لا يترتب عليها أي التزامات تؤثر في سمعتها العلمية أو مكانتها الأكاديمية. لذا ففي حالة فشل تلك الاتفاقيات لا تتحمل أي تبعات مهنية أو علمية أو معرفية، فضلا عن تحملها أي التزامات قانونية.
في اعتقادي أن المهم ليس أن تبرم جامعاتنا أو مستشفياتنا اتفاقيات مع المراكز الأولى عالميا، لأن العديد منها لديها ارتباطات متعددة، ولسنا الوحيدين القادرين على الدفع من أجل ضمان ارتباط معرفي معها. لكن ما علينا هو السعي نحو أن نتعاون مع الأسماء التي تحقق تكامل العلاقة بيننا وبينها. بمعنى أن نجاح هذه الاتفاقيات يحقق نجاحا للطرفين. فمثلا قبل أكثر من 15 عاما وقَّع مركز الأمير سلطان لمعالجة أمراض القلب وجراحته منذ نشأته اتفاقية مع جامعة لومالندا. هذه الاتفاقية حققت مفهوم التكامل بين الجهتين، ونتج عنها تدريب العديد ليس فقط الأطباء في جراحة القلب، بل حتى في الكوادر الفنية المساندة والتمريضية والخدمات الأخرى المساندة. كان بإمكان البروفيسور محمد بن راشد الفقيه -مدير المركز وقتها- بناء تعاون مع أحد مراكز القلب التي تحتل المراكز الأولى عالميا ككليفلاند كلينك أو مايو كلينك أو غيرها. لكن الدكتور محمد الفقيه وقع اتفاقية مع جامعة لومالندا. فهذه الجامعة وإن كانت ليست من الأسماء المشهورة إعلاميا، لكن تم توظيف هذه العلاقة الوطيدة معها من أجل بناء علاقة متكاملة بين الطرفين. وأسهمت هذه الاتفاقية في تدريب العديد من الكوادر الوطنية وغير الوطنية التي عملت في مركز الأمير سلطان لجراحة القلب، ورفع مستوى الجودة المقدمة من قبل المركز. كما نتج عن تلك الاتفاقية أن ظل مركز الأمير سلطان بن عبد العزيز لمعالجة أمراض القلب والجراحة ولفترة من الزمن من أهم مراكز القلب في منطقة الشرق الأوسط.
ما أردت إيضاحه أن التعاون المهم ليس خلق أي نوع من التعاون مع الأسماء الكبيرة في المجال، بل أن يحقق هذا التعاون الأهداف المرجوة منه من أجل الوصول لمخرجات حقيقية بعيدا عن الفلاشات الإعلامية، التي للأسف يعتبرها البعض هدفا في حد ذاتها.