أقسام التوعية الإسلامية .. ماذا تفعل؟
خلال العقدين الماضيين وحين كانت الموجات المتشددة لما يسمى "الصحوة الدينية" تُحكِم قبضتها على مفاصل بعض المؤسسات الحكومية، ومن أهمها وزارة التربية والتعليم، التي اختيرت لتكون معقلا مهما لأجندات وأفكار متشددة تسللت في غفلة المجتمع لتعبث بالسياسات والتشريعات التربوية وتدفع بالموالين للتنظيم، وليس الأكفأ، ليكون لهم سلطة التأثير في صناعة القرار التربوي.
ومن تبعات ذلك عشرات الأقسام التي أنشئت تحت اسم "التوعية الإسلامية "واستقطب للعمل فيها آلاف المشرفين والمشرفات دون أن يكون أهداف واضحة لتأسيسها أو معايير الاختيار التي طبقت على أعداد كبيرة من العاملين في هذه الأقسام.
وليس سرا أن الأقسام الجديدة تحولت مع عنفوان الصحوة وتمددها الاجتماعي إلى أقسام دعوية بامتياز، وتبرع منسوبوها بتنظيم عشرات الأنشطة الإسلامية داخل المدارس وخارجها من محاضرات وندوات ومخيمات صيفية ومسابقات إسلامية، وأصبحت أنشطة التوعية الإسلامية تنافس أقسام النشاط الأخرى، بل أصبحت لأنشطتها خصوصية معينة تتناسب مع تلك المرحلة بما فيها من حماس ديني، وانكفاء اجتماعي يتوجس من التغيير والتعامل مع الآخر.
ومع ظهور أحداث الإرهاب الدامية واعتماد الدولة جملة من التشريعات التنظيمية والرقابية لجميع المناشط التربوية والتعليمية بما يضمن عدم استغلالها وجنوحها نحو العنف والإرهاب، وما شهدته وزارة التربية والتعليم من هيكلة لكثير من أقسامها بقيت أقسام التوعية الإسلامية على حالها، لكن بلا فاعلية تذكر، فلا تزال تحتفظ بأعداد كبيرة من المشرفين والمشرفات بأداء باهت وإنجازات تقليدية، ولم تتجاوز مهامهم إجراء بعض المسابقات المتواضعة، حيث تصل تعليماتهم للمدارس على شكل تعاميم باهتة لا تقدم جديدا يذكر.
ومن اللافت للنظر أن مشرفي التوعية الإسلامية لا يشاركون زملاءهم المشرفين الآخرين في المهام الميدانية المعتادة للمشرفين، الذين يشكون دائما ارتفاع أعباء النصاب الإشرافي، ما يجعل أداء مشرفي التوعية الإسلامية مقتصرا فقط على العمل المكتبي، وهذا بيت القصيد الذي تحولت معه هذه الأقسام إلى أماكن مريحة لمن استطاع الوصول إليها، فلا إبداع، ولا إنتاج، ولا عمل، ولا محاسبة، وقد لقي كثير من المسؤولين في الوزارة أو في إدارات التعليم في فترات سابقة ممن حاولوا تفعيل هذه الأقسام بما ينسجم مع المسارات التربوية الكثير من الهجوم وتشويه السمعة والاتهامات الجاهزة بمحاربته الدين وأن لديه نيات تغريبية خبيثة ستهدم حصن التعليم المنيع، وبالتالي فساد الأجيال وضياعهم لولا الجهد الذي تبذله هذه الأقسام باعتبارها سدنة التعليم من عبث العابثين!
حتى لا يتهمني أحد بالتحامل على هذه الأقسام فأقول إنني مع وجودها إذا كانت ستقدم لنا ما يقنعنا بوجودها وتطور أساليب عملها، أما إذا كانت بهذا الشكل الباهت المقتصر على مصالح أفراد محددين، فالأنشطة الإسلامية موجودة - ولله الحمد - ضمن خطط أقسام النشاط الطلابي ولا داعي لأن نفرد لها أقساما خاصة يزيد معها الهدر المادي والبشري.
وللإنصاف أيضا ليست أقسام التوعية الإسلامية التي يمكن أن تلغى وتدمج أنشطتها ضمن أقسام النشاط، لكن هناك أقساما أخرى تعلم الوزارة أنها لم تعد مجدية وتشكل عبئا كبيرا على هيكل الوزارة الوظيفي.
أخيرا وفي مهبط الإسلام ووسط مجتمع مسلم يتحلى أفراده بالآداب الإسلامية الأصيلة ويعيش أفراده كل تفاصيل حياتهم وسلوكياتهم صغارا وكبارا أفرادا وجماعات وفق آداب هذا الدين الإسلامي العظيم فإن مجتمعا كهذا يحتاج إلى من يتفهم احتياجاته بما لا يخرج عن مبادئ الشريعة السمحة، لتظهر هذه الأقسام بثوب جديد حتى تستطيع أن تواكب المستجدات وتقدم ما يفيد مجتمعها في الدنيا والآخرة.