أنشيلوتي: رونالدو لا يُجارى وألونسو مدرب حقيقي داخل الملعب
يبتسم كارلو أنشيلوتي، المدير الفني لريال مدريد، ويقول: "لدي الكثير من السلطة. هنا أستطيع أن أقرر: التدريب في السادسة صباحاً! التدريب في الحادية عشرة ليلاً! لكن أسلوبي ليس فرض الأشياء. أود أن أقنع اللاعبين بما يفعلونه. وهذا يتطلب المزيد من الوقت".
نجلس في مكتب المدربين في ملعب التدريب الجديد والأنيق للنادي، مباشرة شمال المدينة. الإيطالي، الذي يبرز جسده البدين خارج بدلة ريال مدريد الرياضية الزرقاء المتألقة، ينفخ في سيجارة، واثقاً أن رئيس النادي ليس على وشك الدخول والإمساك به وهو يدخن، كما حدث في نادي سابق بإمكانه ذكره. فلورينتينو بيريز، رئيس نادي ريال مدريد، نادراً ما يزعج مدرب ناديه الرئيسي.
هبط أنشيلوتي في إسبانيا الصيف الماضي، وهي البلد الرابع بالنسبة له في أربعة أعوام بعد وظائف في أيه سي ميلان، وتشيلسي، وباريس سان جيرمان. وعلى الرغم من أنه غير معروف مثل أقرانه خوزيه مورينهو وأرسين فيجنر، فقد فاز أنشيلوتي بكبريات الجوائز في كرة القدم. والآن مهمته هي جعل ريال مدريد يفوز في دوري أبطال أوروبا للمرة العاشرة ليسجل رقماً قياساً - الأسطوري العاشر. ويستطيع مدير الأزمة الدولية هذا توضيح كيفية التعامل مع اللاعبين النجوم (حالياً كريستيانو رونالدو وجاريث بيل)، ورؤساء النادي المتعِبين (سابقاً سيلفيو بيرلوسكوني ورومان أبراموفيتش) ووسائل الإعلام الهستيرية. وفيما يلي أسرار الإدارة التي يتعامل بها رجل لطيف.
#2#
لتجميع هذه الأسرار، ركبتُ من مطار مدريد مع مديره المساعد، بول كليمنت. المدرب الرياضي الإنجليزي السابق قوي البنية، الذي قابل أنشيلوتي في تشيلسي، وتم وعده بمهنة إدارية يكون فيها هو المدير. تصدر سيارة كليمنت صوتاً ناعماً خلال أشعة شمس الشتاء الرقيقة متجهة إلى ملعب التدريب. وحتى في هذا الوقت الهادئ من الظهيرة هناك بضع عشرات من الصحافيين، وكاميرات التلفزيون وصائدي التواقيع عند البوابة ينتظرون حدوث شيء ما.
لكن داخل ملعب التدريب التابع لأغنى نادي كرة قدم في العالم، الحياة هادئة. فقد مُنِعت الهستيريا من الدخول. يركن كليمنت السيارة مقابل سيارة رياضية بيضاء لامعة تشبه سيارة بات مان، هي سيارة بيل، الويلزي الذي اشتراه ريال مدريد من توتنهام هوتسبير الصيف الماضي بمبلغ قياسي عالمي تجاوز 85 مليون جنيه.
المبنى الرئيسي فارغ تقريباً. في غرفة المدربين، هناك ديفيد، ابن أنشيلوتي، وهو شاب مهذب ونحيف يعمل ضمن موظفي والده، يقرأ الصحيفة الإيطالية اليومية "لا جازيتا ديلو سبورت" (الجريدة الرياضية). وسفوح الجبال المحيطة بالمبنى ذات لون بني شتوي، لكن خارج نافذة غرفة المدربين هناك عشرات الرجال الذين يعملون على أرض الملعب يعتنون بميدان تدريب ريال الأخضر بشكل لا يصدق. يعمل أنشيلوتي على إسعاد موظفيه: ففي الليلة التي سبقت ذلك، أخذ 50 من زملائه لمطعم الباسك "ميزون تكسيستو" ودفع الفاتورة بنفسه.
واليوم يقوم أنشيلوتي بتوزيع قهوة الإسبريسو الممتازة، ويجلس ويسترخي. وهاتفه الخلوي يهتز باستمرار لكنه يتجاهله. يتحدث ببطء بلغة إنجليزية مقبولة، وأحياناً يعبث بقلم أخضر، حيث يظهر "كارليتو" هدوءاً غير متعجل.
قضى ابن الزارع، المتحدر من إميليا رومانيا، حياته الراشدة في بيئات مضغوطة. فعندما كان لاعب خط وسط في كرة القدم الإيطالية، تعلم القيادة من مدربيه، خاصة السويدي نيلز ليدهولم، مدربه في نادي أيه إس روما في الثمانينيات. ويقول أنشيلوتي: "عندما لعبنا في الشمال لم نذهب بالطائرة، لأنه كان يخشى الطيران. كنا نستقل القطار من روما إلى ميلانو. كان القطار يغادر روما في منتصف الليل. لكن ليدهولم يذهب للنوم مبكراً! إنه يستقل القطار في الساعة 9:30 مساءً وينام في الساعة العاشرة. أما اللاعبون فيستقلون القطار في منتصف الليل ولا ينامون. وهذه أسوأ التحضيرات".
وفي يوم المباراة كان الفريق يستغرق ساعات متسكعا في غرفة تغيير الملابس. وحتى يقوم بتهدئة الجميع، كان ليدهولم يطلب من أطباء روما إلقاء النكت. وفي وقت لاحق، كمدرب، كان أنشيلوتي عادة يُلقي نكات ما قبل المبارة بنفسه - حتى قبل نهائيات دوري أبطال أوروبا. فهو يعلم أن معظم لاعبي كرة القدم الجيدين لا يحتاجون أن يتم تحفيزهم. فهم يحتاجون أن تتم تهدئتهم.
علَّمه ليدهولم أن يعامل اللاعبين باعتبارهم أناسا راشدين. لكن هناك مدربين آخرين كانوا يعلّمونه ألا يفعل ذلك. يتذكر أنشيلوتي قائلاً: "كان لدي مديرون يقولون: عليك عمل هذا لأني أطلب منك ذلك. أنا لم أفهم هذا. فلا أستطيع أن أكون – كيف تقولون هذا التعبير بلغتكم؟ – استبدادياً".
في عام 1987، عندما كان أنشيلوتي في الـ 28 من العمر وبركبتين ضعيفتين، أوكل إليه مدرب ميلان أريجو ساكي مهمة "قيادة الأوركسترا": كلاعب خط وسط بدون قاعدة أو مهارة استثنائية لكنه كان يتمتع بالذكاء. ثم يعدد أذكى اللاعبين الذين تعامل معهم: "أستطيع أن أقول أندريه بيرلو، أستطيع أن أقول تشابي ألونسو، وثياجو موتا، وديدييه ديشام. جميعهم من لاعبي خط الوسط".
وعندما كان أنشيلوتي في ذلك المركز، فاز "جراند ميلان" ببطولتين من بطولات كأس أوروربا حيث لعِب كرة قدم هجومية جميلة. وعندما دخل مجال التدريب في عام 1992، كان مبدؤه هو تشكيلة المدرب ساكي 4-4-2. ويقول: "بحسب تجربتي، كانت الطريقة الوحيدة للعب".
كان يساعد ساكي في تدريب الفريق الوطني في إيطاليا، ومن ثم انضم إلى نادي ريجينا الصغير في منطقته الأصلية. في البداية وجد أن الإدارة مرهقة بشكل لا يطاق. ويذكر أنه كان يفكر بعد أحد المواسم: "سأفعل هذا لثلاثة أو أربعة أعوام، وبعدها، عطلة". لكن تدريجياً تعلم التعايش مع الضغط، لدرجة أنه يدّعي الآن: "إن مؤخرتي منيعة ضد الهزات الأرضية". ولم يعد يضايقه التهديد اليومي بالاستقالة من العمل.
بعد ريجينا تولى تدريب بارما. وهناك كان على وشك التوقيع مع روبيرتو باجيو، المُلقب بـ "ذيل الحصان المقدس". لكن باجيو كان يريد أن يكون صانع الألعاب - وهو دور لم يكن موجوداً في نظام تشكيلة ساكي. ويذكر أنشيلوتي: "قلت له لا، عليك أن تكون مهاجماً، فذهب باجيو إلى ناد آخر. في ذلك العام، سجّل باجيو 25 هدفاً (الصحيح أنه سجل 22 هدفاً)- لبولونيا. لقد خسرتُ 25 هدفاً! وهذا خطأ كبير". وهذه الحادثة غيّرت تفكير أنشيلوتي: فقد قرر أنه لا يوجد نظام أكثر أهمية من اللاعبين. وأصبح متكيّفاً مع الظروف بقناعة.
وانضم إلى يوفينتوس، ومن ثم إلى ميلانو. وكانت إدارة نادي بيرلوسكوني تتضمن إدارة بيرلوسكوني نفسه. وفي وقت قريب استوعب أنشيلوتي الحقيقة الأساسية: بما أن بيرلوسكوني يملك نادي ميلانو، فإن مهمة المدرب هي إرضاء بيرلوسكوني. كما يقول أنشيلوتي: "إن التقليد في ميلانو هو لعب أسلوب جيد في كرة القدم - بشكل مختلف عن يوفنتوس؛ لأن أهم شيء هو الفوز. وعندما قام بيرلوسكوني بشراء ميلانو، أصبح الأمر كذلك". وبناءً على ذلك، قام أنشيلوتي بتشكيل خط هجوم قوي. "هذا هو السبب الوحيد لأن أجعل بيرلو، وسيدورف، وروي كوستا، وكاكا، وشيفتشينكو يلعبون في الوقت نفسه". وكان هنا اكتشاف آخر: لا يوجد نظام أكثر أهمية من رئيس النادي، حتى إن أنشيلوتي سمح، قبل أن يلعب ميلانو مع يوفينتوس في نهائي دوري أبطال أوروبا عام 2003، لرئيس وزراء إيطاليا في ذلك الوقت بالجلوس خلال حديثه مع الفريق.
وكتب أنشيلوتي في سيرته الذاتية "وزعْتُ مجموعة أوراق تحتوي التشكيل وطريقة اللعب. أراد بيرلسكوني نسخاً لنفسه. (في وقت لاحق رأيتها منشورة في كتاب من تأليف برونو فيسبا؛ أعطاها الرئيس للمؤلف ونسبها لنفسه...)". ويروي أنشيلوتي هذا مع فكاهة، لكن مسايرة بيرلسكوني كانت علامة على الحكمة. والأفضل من ذلك، فاز ميلانو على يوفينتوس بالركلات الترجيحية. وأصبح أنشيلوتي واحداً من ستة رجال فقط تمكنوا من الفوز بدوري أبطال أوروبا بصفته مديراً ولاعباً.
وفي عام 2005، في إسطنبول، خسِر الكأس لصالح ليفربول في مباراة نهائية لا تُنسى. فبعد أن تقدم ليفربول 3-0 في الشوط الأول، سجّل ميلانو ثلاثة أهداف لكن خسر في الركلات الترجيحية. مع ذلك جلس أنشيلوتي في وقت لاحق من تلك الليلة في حانة الفندق يتحدث بانشراح مع معارفه حول المعالم السياحية في إسطنبول. لقد قام بعمله. وهو الآن لا يعمل. يقول وهو ينظر للوراء: "لقد قدم الفريق أقصى طاقته من أجل الفوز. لذلك لا أستطيع أن أغضب. أعتقد أن هذا كان مقدّراً. إن كرة القدم هي الأكثر أهمية من بين أشياء أقل أهمية في العالم".
ويقول إنه غير نادم بشأن إسطنبول: "ماذا تستطيع أن تفعل عندما قاموا بتسجيل ثلاثة أهداف في ست دقائق؟ من المستحيل تغيير أي شيء، لأنه لا يوجد وقت. لقد كنت مديراً لـ 800 مباراة في مسيرتي المهنية. وإذا كنت سأختار مبارتين كان فريقي قد لعب فيهما بشكل جيد جداً، فستكون هذه المباراة. والأخرى كانت في نصف النهائي في عام 2007 ضد مانشستر يونايتد".
وفي عام 2007، عندما وصل ميلانو للنهائي مرة أخرى، اجتمع فريق ميلانو حول شاشة كبيرة في ملعب التدريب ليهتف لفريق ليفربول في نصف النهائي الآخر ضد تشيلسي. وبحسب سيرته الذاتية "تم إخراج القبعات وألعاب الأبواق الخاصة بفريق ليفربول".
كان للهتاف نتيجة. فقد فاز ليفربول على تشيلسي، وفي الدور النهائي في أثينا، انتقم ميلانو لما حدث في إسطنبول، وفاز 2-1. بعد ذلك قام أنشيلوتي واللاعبون بإلقاء النكت طوال الليل، لترسيخ الفوز في أذهانهم للأبد.
في ميلانو، تعلّم أنشيلوتي تدريب فريق متعدد الجنسيات. في إحدى المرات قام بإطلاع فريقه على مزحة ليتم لعبها على القادم الجديد ماثيو فلاميني. ويقول: "أولاً تقوم بإخبار الإيطاليين، باللغة الإيطالية، ثم تُخبر البرازيليين، بلغة شبه إيطالية، وبعد ذلك تُخبر بيكهام، بهمهمات وإيماءات". (مثل معظم نكات أنشيلوتي، يروي هذه النكتة بمودة: بيكهام هو صديق).
إن المهارات متعددة الثقافات ستُجدي نفعاً. كان أنشيلوتي يحلُم بإدارة ميلانو للأبد لكن بيرلوسكوني خفضّ التمويل، وضعُف الفريق وفي عام 2009 انضم أنشيلوتي لهجرة جماعية واسعة للإيطاليين ذوي المهارات العالية. وأراد أبراموفيتش، مالك نادي تشيلسي، من جماعته أن يكونوا ماهرين وأذكياء تكتيكياً.
يتذكر أنشيلوتي: "في أول مرة قابلت فيها رومان أبراموفيتش قال: عندما أرى تشيلسي، لا أتعرف عليه إنه تشيلسي - الهوية، وطريقة اللعب". وكان على أنشيلوتي إعطاء هوية للفريق. في لندن، يقول: "المشكلة الوحيدة كانت اللغة. من الصعب تحدّثها، ومن الصعب إظهار العاطفة فيها. لكن الفريق كان منظماً". أصبح تشيلسي بطل الدوري الإنجليزي في 2010، ولعب المباراة النهائية لكأس الاتحاد الإنجليزي ضد بورتسموث بهدف الحصول على الدوري والكأس "معاً".
وقبل المباراة النهائية، فعل أنشيلوتي شيئاً غير عادي: طلب من اللاعبين الـ 11 الذين سيبدأون تقرير استراتيجية المباراة. ويتذكر قائلاً: "جميعهم قالوا شيئاً واحداً. مثلا، قال حارس المرمى بيتر سيتش، عليك السيطرة على المساحة التي في الخلف، لكي تتجنب الهجوم المضاد. في ذلك الموسم لعِبنا 60 مباراة، وفي الـ 60 مرة وضعت أنا الاستراتيجية. لذلك أعتقد أن اللاعبين فهموا جيداً ما كان عليهم فعله".
مع ذلك، ما الداعي إلى تجربة شيء خطر قبل مباراة حاسمة؟ يقول: "كنت متأكداً أن اللاعبين قاموا باتباع الاستراتيجية، لأنهم هم من وضعوا الاستراتيجية. أحياناً أقوم بوضع الاستراتيجية، لكن لا تعرف إذا كان اللاعبون قد فهموها بالفعل. فأحياناً أمزح مع اللاعبين: هل فهمتهم الاستراتيجية؟ نعم، نعم! إذاً كرروها، لو سمحتم!". في تلك المباراة فاز تشيلسي على بورتسموث 1-0 مُنجزاً أول فوز ثنائي للنادي على الإطلاق.
وغالباً ما يقارِن أنشيلوتي مرونته التكتيكية الخاصة، وتواضعه وأسلوبه الجاف بنظيره خوزيه مورينهو. عندما لِعب تشيلسي الذي كان يديره أنشيلوتي مع إنتر ميلان الذي كان يديره مورينهو في عام 2010، ذكر أنشيلوتي في سيرته الذاتية، "التقينا في ممر استاد سان سيرو وأبرمنا اتفاقاً: لا مزيد من المشاحنات، ولا مزيد من الجدل. ست كلمات، ومصافحة، وفي غضون عشر ثوانٍ كان بيننا تفاهم". وبعد أن أصبح تشيلسي بطل الدوري الإنجليزي، أرسل مورينهو رسالة نصية إلى أنشيلوتي: "شامبانيا". وبعد أن أصبح إنتر بطل الدوري الإيطالي، رد أنشيلوتي برسالة: "شامبانيا، لكن ليس كثيراً". مع ذلك، السيرة الذاتية لأنشيلوتي تستحضر مورينهو بنوع من المفارقة بأنه "هو من يعرف، وسيد المؤتمر الصحافي، والاستفزازي الهائل، والمدرب الخاص"، إلخ. وفي المقابل، يصف نفسه بأنه "الصبي البدين مع طبق مليء بمعكرونة التورتيليني من منطقة إميليا".
ليس هناك مدير يستمر طويلاً في تشيلسي. ففي عام 2011 استدعاه المالكون الجدد لنادي باريس سان جيرمان. كانت فرنسا تمثل مجموعة جديدة من الخصوصيات الوطنية. يقول أنشيلوتي: "مشكلة اللاعب الإنجليزي - أنه أحياناً من الصعب عليه أن يفهم أنه ليس عليه العمل 100 في المائة خلال التدريب. فهناك بعض الجلسات التدريبية من المهم فيها ألا تعمل 100 في المائة. أما الفرنسيون فهم لا يفهمون لماذا عليهم العمل 100 في المائة كل يوم".
ونادي باريس يفتقر للاحترافية. "لقد كان باريس سان جيرمان تجربة جيدة؛ لأنها كانت المرة الأولى في تجربتي التي أقوم فيها ببناء شيء جديد. الأمر مختلف عندما تصل إلى تشيلسي أو ريال مدريد، حيث لديك في الأصل تنظيم جيد للنادي، وفريق جيد. أما في سان جيرمان فعليك بناء كل شيء من مستوى منخفض للغاية"، ويفرك يديه على الطاولة ليُشير إلى مرحلة الصفر.
كان للفريق فصائل عرقية "كان لدينا لاعبون من أمريكا الجنوبية، ومن فرنسا وإيطاليا. فالعلاقة ليست سهلة. اللاعبون من أمريكا الجنوبية يحبون اللعب مع بعضهم بعضا. كذلك الأمر بالنسبة للإيطاليين. اللاعبون لم يكونوا معتادين على أن تكون لديهم عقلية الفوز. والتدريب كان عادةً عند الساعة 11 صباحاً. اعتاد اللاعبون أن يأتوا في الساعة 10:30 صباحاً، ويتدربون، وعند الساعة 12:30، أو الواحدة بعد الظهر، يغادرون ملعب التدريب. تغيير ذلك لم يكن سهلاً، ولم يكن من السهل أن تقول لهم عليكم البقاء بعد التدريب، عليكم الأكل بشكل جيد، والشرب بشكل جيد، وعليكم بالراحة. لا يمكنكم أن تفوتوا يوماً واحداً. فكان من المهم الحصول على زلاتان إبراهيموفيتش، وهو اللاعب الأفضل باحترافية جيدة. كان أنموذجاً للآخرين في جلسات التدريب؛ لأنه كان يركز في كل مرة. استغرق الأمر ستة أشهر للحصول على نتائج". في عام 2013، فاز باريس سان جيرمان بأول لقب فرنسي له منذ عام 1994.
ثم انضم أنشيلوتي لريال مدريد. في العالم الصغير من كرة القدم الراقية، كان بيريز يُلقي التحية عليه لأعوام بالكلمات التالية: "كارلو، يوماً ما ستصبح مدربي". في الصيف الماضي جاء هذا الوقت. كان الريال بحاجة لترياق بعد مورينهو، حيث قام المدير البرتغالي بتدريب ريال لمدة ثلاثة أعوام، فارضاً كرة القدم الدفاعية التي يتصف بها، ومحاولاً سحق اللاعبين المغرورين.
التزم أنشيلوتي باتفاقهم: فهو لن ينتقد مورينهو. مع ذلك، يقول عن مهمته الخاصة في مدريد: "الهدف هو لعب كرة القدم بطريقة مختلفة قليلاً؛ لأن ثقافة هذا النادي هي اللعب" - وينفخ خديّه، باحثاً عن الكلمة المناسبة - "كرة قدم مذهلة. الداعمون هنا لا يحبون رؤية هجوم مضاد. فهم يريدون رؤية فريق يسيطر على اللعبة، مع استحواذ على الكرة. نحن نحاول اتباع تقليد النادي".
الشيء الذي تحبه الأندية في أنشيلوتي هو أنه يتأقلم بسعادة مع محيطه في مهنة يسيطر عليها الغرور الكبير. ففي كل بلد، يبحث عن اختلافات صغيرة. ويقول: "في إنجلترا بشكل عام الفرق لديها مهارات دفاعية تكتيكية أقل. وفي فرنسا الفرق متينة جسدياً، لأن هناك الكثير من اللاعبين الأفارقة. وفي إسبانيا الفرق لديها المتعة للعب كرة القدم. لذلك عليك أن تجعل منهجيتك تتكيف مع هذه الاختلافات".
بعض اللاعبين والمديرين لا يستطيعون التأقلم عندما ينتقلون من بلادهم. يقول أنشيلوتي: "هذا ليس سهلاً، خاصة للاعبين الذين يغادرون إنجلترا. أنا أفكر بإيان راش ومايكل أوين". عاد المهاجم الويلزي راش من إيطاليا في 1988 وهو يشتكي: "لقد كانت بمثابة بلد آخر". كذلك الأمر بالنسبة لأوين الذي غادر ريال مدريد بعد عام بسبب الحنين إلى الوطن.
إذن، كيف يتأقلم جاريت بيل في مدريد؟ "بيل ليس لديه الكثير من المشاكل، لأنه رجل متواضع وليس صعب المراس. فهو لا يحاول أن يفرض ما يريد ولا يكثر من الطلبات". هل يستطيع التحدث بالإسبانية؟ "لقد بدأ بذلك. وظيفتي هي مساعدته أن يكون مرتاحاً على أرض الملعب، ومرتاحاً مع زملائه في الفريق. فلدينا الكثير من اللاعبين الذين يتحدثون الإنجليزية".
أحدهم هو كريستيانو رونالدو. فهذا اللاعب البرتغالي الرائع ليس من السهل مجاراته. كيف يقوم أنشيلوتي بإدارة موهبته العملاقة؟ "بالنسبة لي، هي عبارة عن إدارة أشخاص. فإدارة رونالدو هي نفسها بالنسبة لي كإدارة كارفاخال أو موراتا (وهما اثنان من لاعبي مدريد الصغار)". يقول أنشيلوتي، في الواقع إن إدارة اللاعبين النجوم أسهل في العادة؛ لأنهم "عادةً ما يكونون أكثر احترافية من الآخرين. ورونالدو محترف بالفعل".
أنشيلوتي ينفخ خديّه بإعجاب، شاكراً لأنه ليس مضطراً لمراقبة رونالدو. يقول: "لا أحب أن أسيطر على حياة اللاعب الخاصة، لأني لست الأب، ولست الشقيق". ويضيف أن لاعبي كرة القدم الآن هم أكثر احترافية بكثير مما كانوا عليه في أيام لعبه. فاللاعب الأنموذجي اليوم "يسيطر أكثر على حياته الخاصة، وأسلوبه في الحياة".
واللاعب النمطي اليوم يأكل معكرونة أقل أيضاً. في روما عندما كان تحت إشراف المدرب ليدهولم، يتعجب أنشيلوتي قائلاً: "وصلنا إلى الفندق قبل المباراة، وكان بإمكان الجميع الاختيار من قائمة الطعام! لم تكن هناك حمية معينة. وعندما كنت ألعب، كانت ردة الفعل هي: إن أفضل تدريب كان عندما تستيقظ مع ألم في الساقين في الأيام التي تليه. فإذا لم تكن تستطيع الذهاب إلى الطابق العلوي، ذلك يعني أنه كان تدريباً مدهشاً!" يقول ذلك وهو يُقهقه. أما في هذه الأيام فيتدرب اللاعبون وهم يرتدون أجهزة تحديد المواقع، ويقوم مدربو اللياقة البدنية بتحديد حجم العمل اليومي لكل لاعب.
ويقول أنشيلوتي إن المحترفين المنضبطين في هذه الأيام لا يتشاجرون مع المديرين. هل كان لدى أنشيلوتي لاعب لم يستطع العمل معه؟ "لا". أو لاعب لم يستطع العمل مع أنشيلوتي؟ "لا". وينفث الدخان من سيجارته. إن لاعبي مدريد مطيعون وأذكياء بما فيه الكفاية للتأقلم حتى لو قام بتغيير التشكيل في وسط المباراة: "عندما تقوم بإدارة اللاعبين الكبار، فهم يفهمون بسرعة". ويعتبر تشابي ألونسو عملياً المدرب على أرض الملعب.
ويملك ريال مدريد لاعبين رائعين، وأعلى العوائد في أي نادٍ رياضي على الإطلاق (521 مليون يورو في العام الماضي). إذن، لماذا لم يفوزوا في دوري أبطال أوروبا منذ عام 2002؟ أنشيلوتي يتحايل على السؤال بضحكة أخرى مكتومة: "أنا لا أعرف. هذا سؤال حتى النادي يسأله لنفسه. ففي عشرة أعوام لم يصلوا إلى النهائي. هذا أمر غريب بعض الشيء. لكنهم لعبوا مباريات نصف نهائية ثلاث مرات على التوالي. وهذا ليس سيئاً".
ويتولى أنشيلوتي مهمة توصيل دوري أبطال أوروبا العاشر لريال،’لا ديسيما‘، ابتداءً من الجولة السادسة عشرة في الشهر المقبل، حيث سيقابل فريق شالكه الألماني. أوه، ويجب على الريال أيضاً الفوز بالدوري الإسباني (حيث هم حالياً في المركز الثالث). كيف يتعامل مع الضغط اليومي؟ "لأن لدي خبرة في هذا العالم (...) لا أكتئب كثيراً عندما لا تكون النتيجة جيدة، ولا أفرح كثيراً عندما تكون النتيجة جيدة. لا أشعر بأن لدي كثيرا من الضغط على كاهلي، لأني أحب هذا العمل. فالضغط على المدير أمر طبيعي". ثم يمشي معي لمكتب الاستقبال ويطلب لي سيارة أجرة.
في إحدى المرات، أوضح أحد مدربي الريال السابقين، الهولندي جوس هيدينك، الذي يشبه أنشيلوتي في الحجم والهدوء على حد سواء، كيف ينبغي لأي مدير ناد في إسبانيا التعامل مع حتمية الطرد. وهو ما يطلق عليه الإسبان اسم "فينيكيتو" أي عمل تسوية أو الطرد. وفي قول لهيدنيك: "إن إقالتك لا تعتبر وصمة عار هنا. فهي كالتالي: يتم استدعاؤك لرؤية رئيس النادي. فيقول لك أيها السيد، يا سيد، من الأفضل ألا تستمر. ثم يحضنك ويقول اذهب لرؤية أمين الصندوق غداً. فتذهب في اليوم التالي لرؤية أمين الصندوق، فتحصل على شيكك، وتذهب إلى زاوية الشارع وتُعطى حقيبة مليئة بالأموال. وهكذا، تم ذلك دفعة واحدة. في إسبانيا يتم قتلك بطريقة رومانسية". يستطيع أنشيلوتي أن يتوقع أن يواجِه الطرد – وربما قبل الفوز في "العاشرة". لن يعتبرها وصمة عار. ستكون مجرد حكاية أخرى يرويها لأصدقائه القدامى وهم يتناولون معكرونة التورتليني في إميليا رومانا. ثم سيحصل على وظيفة كبيرة أخرى، لأنه لا يوجد عدد كبير من كبار المديرين الآخرين الذين هم أشخاص يتعاملون معك بصورة لائقة ولديهم قدرة على التكيف على المستوى الدولي، ولديهم القدرة على التعامل مع كل شخص من رونالدو إلى بيرلسكوني.