النظام الإسباني في البلديات السعودية
نحمد الله على جميل ما أسبغ وأنعم علينا أن رفع من شأن بلديات المملكة حتى بلغت هذا المبلغ الرفيع.. أو الرقيع.. كلاهما صحيح من وجه! فقد تطابقت مع إسبانيا في الجوهر الذي يحتوي كل قراراتها وكل الأفعال منها. وذلك ما يمكن أن نسميه - بيع المواطن - بغرامة رمزية تشبه إلى حد بعيد - رفع العتب.
ويتحول المواطن بعد الدفع للبلدية إلى "المسروق الحلال" بموجب سند صحيح صادر من البلدية. تماما كما هو نظام إسبانيا في التعامل مع لصوص الشوارع، فما أن يتم القبض على أحدهم متلبسا بالجرم المشهود - كما هو حال البلديات - يتم توقيفه لمدة ثلاثة أيام فقط ويلزم بدفع 150 "بيزتا - قبل اليورو" فقط، وبهذا يعود بعدها مباشرة إلى عمله المربح جدا، بعد أن استمتع بإقامة مريحة لمدة ثلاثة أيام، أما ذاك المبلغ الضئيل الذي يشبه الطرفة التي يضحك منها الجميع، كأنها ضريبة سرقة من المخجل تسجيلها رسميا، لذا يتم انتزاعها بين فترة وأخرى من خلال هذا القبض المتكرر إلى درجة أن اللصوص لا يغيرون أماكن عملهم في مترو الأنفاق لمدريد والشرطة ينادون على اللصوص من مكان بعيد بأسمائهم. والطرفان راضيان ومبتسمان ولا ضير. والضحية ذاك المسروق دائما المواطن الإسباني أو السائح.
هذا النظام الإسباني هو جوهر الكثير من أنظمة البلديات التي تعني تنازلا مباشرا عن حقوق المواطن مقابل غرامة رمزية.
وهذا التطور الإسباني لا تستطيع البلديات أن تدعي شرف الاختصاص به. فهو شرف يشاركها فيه كلّ من وزارة التجارة، والكهرباء، وغيرهم الكثير، سوق بنموذج واحد!
في التخطيط العمراني يتم تحديد عدد الشقق في المباني المخصصة للاستثمار السكني - الشقق السكنية - ويتم وضع شروط "يفترض أنها ملزمة" يأتي أولها التقيد بعدد محدد من الشقق بحسب مساحة الأرض والمبنى - ويجب أن يلتزم المالك بجعل الطابق الأرضي "مواقف سيارات" للشقق بحسب عددها، وفي هذا ينتهي إلى مسائل بالغة الأهمية في ازدحام المواقف في الشوارع الداخلية.
وهي مسائل من المستحيل عدم التقيد بها في دول خليجية مجاورة، تحت أي سبب؛ لأن الغرامات فلكية، مع إلزام المالك بتنفيذ الشروط التي التزم بها في أصل الترخيص. ولكن البلديات السعودية تعمد إلى النظام الإسباني الظريف، فتقبض من المالك غرامة بيع المواطن وبيع التخطيط المدني للمدن. وبهذا لا يلتزم المالك بالمواقف الأرضية أو يحولها إلى شقق بعد أن يحصل على الترخيص، وكذا يقسم كل شقة إلى شقتين، جاعلا من المستأجرين سمك سردين في علب صغيرة، منزوعة الخصوصية، والهواء، والشمس، والشروط الصحية الطبيعية، ويتقاسمون عداد كهرباء واحد، يضاعف عليه الاستهلاك لأنه مشترك مع آخرين!
والمستأجر هنا قد تم بيع حقه بموجب سند قبض مخالفة دون إزالتها..!
وبهذا ترسخ بموجبها الفوضى للمدن السكنية طوال عمرها. والمعاناة المزمنة للمواطن والمقيم. وترسخ التخلف الحضري للمدن. وهذا ما يضاعف الخسائر في الأرواح عند حدوث سيول أو أزمات، أو حتى صعوبة عبور الطوارئ والخدمات، ورغم أن هذه الممارسات تمس حياة المواطنين والمقيمين وتفرض عليهم خسائر مالية كبيرة في تراكم الفواتير وتقليص مساحات الشقق، وعدم وجود الحد الأدنى من شروط السلامة والحياة الصحية، ولا يوجد فرض مواصفات ذات جودة في أمثال سخانات المياه التي يتكرر انفجار الأنواع التجارية منها في المستأجرين بما لا عزاء لهم ولا تعويض. وهذا سببه الأخير النظام الإسباني في البلديات السعودية!