هل يعود للأحساء عصرها الذهبي؟
كنت قد كتبت مقالاً في "الاقتصادية" في تاريخ 18 تموز (يوليو) 2010، تحت عنوان " منطقة الأحساء في حاجة إلى التفاتة". http://www.aleqt.com/2010/07/18/article_420086.html، وكان يدور موضوعه حول "منطقة" الأحساء وما تستحقه من اهتمام من مختلف أجهزة الدولة أسوة ببعض المناطق التي نالها نصيب الأسد من المشاريع التنموية. ومما يثلج الصدر أن الأحوال تتغير إلى الأفضل في هذه البقعة الغالية علينا من بلادنا. كيف لا، وهي تتوسط حقل الغوار العملاق الذي لا يضاهيه حقل في العالم من حيث المساحة والاحتياطي. فمساحته الإجمالية ثمانية آلاف و400 كيلو متر مربع، وأصل احتياطيه من الذهب الأسود القابل للإنتاج يقدَّر بأكثر من 88 مليار برميل. ومنذ كتابة ذلك المقال، وليس بسببه، دخلت المنطقة في حقبة جديدة من التطور والانفتاح الذي يبشر بالخير. فقد تحولت رئاسة بلدية الأحساء إلى أمانة، وهو ما يعكس اهتمامًا خاصًا من ولاة الأمر من أجل تطوير البنية التحتية وإعداد المنطقة لاستقبال الكثير من المشاريع الحيوية والصناعية والسياحية وطرق المواصلات. وها هو مطار الأحساء يتحول من مطار داخلي مغمور ومحدود النشاط إلى مطار إقليمي دولي، وهو عامل انفتاح كبير على العالم، بدلاً من السفر والتنقل بالمركبات أو القطار مئات الكيلومترات من الأحساء إلى المنافذ الدولية. وإن كان المطار لا يزال في حاجة إلى مزيد من التوسعة والتطوير. كما وقد أصبحت جامعة الملك فيصل بكل أقسامها جامعة حساوية، بدلاً من كونها للأحساء والدمام. ونأمل ــــ إن شاء الله ـــ أن تنشأ جامعة خاصة بالبنات تخدم كل مدن منطقة الأحساء، ومزيد من المعاهد الفنية التي لا غنى للمرافق الصناعية عنها.
واليوم نشاهد الكثير من الأنشطة التجارية والعمرانية في منطقة الأحساء لتلحق بما هو حاصل من تقدم في بقية المناطق الرئيسة في المملكة. ولعل انعقاد منتدى الأحساء للاستثمار 2013، في دورته الثالثة، الذي نظمته غرفة الأحساء وبمشاركة مع شركة أرامكو السعودية هو دليل واضح على بداية عهد جديد وانفتاح واسع على عالم الصناعة والتقنية الحديثة التي يرجى لها أن تزدهر في هذه المنطقة المباركة، التي كانت في يوم ما، قبل عقود من الزمن، الأكثر ازدهارًا بين المناطق الأخرى. وبالإعلان عن إنشاء عدة مدن صناعية يتحول القول إلى فعل. ويبقى لنا أمل مهم، وهو أن تحرص الجهات المعنية على أن يشغل أبناء المنطقة نسبة عالية من الوظائف الإدارية والفنية والحرفية حتى تكتمل الفائدة ويعم الخير، بدلا من الاعتماد على العمالة الأجنبية. وشباب الأحساء معروف عنهم النشاط والإخلاص في العمل، فهم العمود الفقري لعمليات "أرامكو" من المراتب الحرفية إلى قمة المراكز الإدارية. ولكن مهما وصلت إليه منطقة الأحساء من تقدم وما حصلت عليه من مشاريع تنموية وتعليمية فهناك عنصر من عناصر الحضارة لا بد من أن يتوافر لهذه المنطقة لربطها بالمناطق المجاورة، ونقصد بذلك خدمات السكك الحديدية المتكاملة. وقد يظن البعض أن ما هو قائم اليوم من مرور قطار الرياض الدمام يخدم أيضا منطقة الأحساء. وهذا صحيح بالنسبة للمسافرين الذين يقصدون هاتين المدينتين لغرض البقاء هناك أو مواصلة السفر إلى جهات أخرى. ولكن الذي نحن بصدده هو تسيير قطارات على مدار الساعة، أو على الأقل 16 ساعة في اليوم، وعلى فترات متقاربة لا تتعدى الساعتين، بين مدن الأحساء ومدن المنطقة الشرقية، بما فيها الجبيل والقطيف ورأس تنورة. وكان الأحرى أن يكون ذلك قد أنشِئ واستخدِم قبل أكثر من 30 عامًا، لما له من أهمية قصوى في خدمة المجتمع وتنمية الحركة التجارية بين تلك المناطق الحيوية. وكذلك تقليل فرص حدوث كوارث مرورية، نظرًا لازدحام سير المركبات على الطرق العامة بين الأحساء والمنطقة الشرقية. وتصوروا كم من الوظائف التي ستتوافر للمواطنين من مشروع كهذا الذي نتحدث عنه وتسهيل حركة التنقل بالنسبة للموظفين والطلاب ورجال الأعمال في كلا الاتجاهين.
ولأهمية مثل هذه المشاريع التي معروف سلفًا فوائدها الاقتصادية والاجتماعية، فليس من الضرورة أن تكون بالكامل جزءا من السكك الحديدية الحكومية، إذا كان هناك شيء من المعوقات البيروقراطية. فقد يكون واحد من الحلول إشراك القطاع الخاص في تنفيذ هذه الفكرة والإشراف على تسيير وصيانة القطارات، مع وجود الدعم الحكومي. وستكون ــــ بإذن الله ــــ تجربة فريدة قد تقود إلى تطبيقها في مناطق أخرى من المملكة. وهناك فرص كثيرة عند التصميم لاختيار النظام الذي يتناسب مع ظروفنا ومقدراتنا، فيما يتعلق بسرعة القطار ونوع مصادر الطاقة التي تسيِّره، بين أن يكون وقود الديزل أو التيار الكهربائي. وميزة الاختيار الأخير إمكانية رفع سرعة القطار إلى مستويات أكثر قبولاً لدى الجمهور وتلبي طموح المستخدِمين. ودراسة الجدوى الاقتصادية هي التي تحدد أفضل الخيارات المطروحة. على أن تشمل الدراسة توفير الوقود من عدم اللجوء إلى استخدام آلاف المركبات الصغيرة وتخفيف ازدحام الطرق الرئيسة وتقليل نسبة الحوادث المميتة والمقعدة التي تؤدي إلى فقدان الأنفس البشرية التي لا تُعوَّض، إضافة إلى الخسائر المادية الكبيرة التي تنجم من آثار تلك الحوادث، وكذلك اقتصاديات توظيف الألوف من المواطنين الذين تعود مداخيلهم إلى الاقتصاد الوطني.
وهناك مجال حيوي لا تقل أهميته عن أي مشروع آخر في المنطقة، وهو تحلية مياه البحر التي ستمد مدن الأحساء بمياه الشرب، بعد أن هبط مستوى المياه الجوفية، كما هي الحال في معظم مناطق المملكة، وأصبح إنتاجه مكلفًا ويكاد يكون شحيحًا حتى على المزارع. وربما يجد المخططون أن إنشاء مرافق التحلية في منطقة الأحساء يكون موقعها قريبا من منطقة العقير التاريخية الواعدة. ونقترح أن تستخدم عملية التحلية الطاقة الشمسية كمصدر للطاقة، حيث إنها أصبحت منافسة للمصادر التقليدية من حيث مستوى التكلفة وتتفوق عليها من حيث فرص توظيف الشباب. وفي الوقت نفسه توفر كميات كبيرة من الوقود النفطي. ونود أن نؤكد أن توليد واستخدام الطاقة الشمسية من الآن فصاعدًا سيصبح أمرًا عاديًّا وسينمو نموًّا سريعًا، وقد يُعبَّر عن هذا الحدث في المستقبل القريب " ثورة الطاقة الشمسية" عندما تنتشر المرافق في أنحاء كثيرة من البلاد، كما هو متوقع. وغالبًا ما تكون مشاريع تحلية مياه البحر أيضا مصدرًا لتوليد الطاقة الكهربائية.