الميزانية .. أرقام وآمال ضخمة
في مثل هذا الوقت من كل عام تعلن الميزانية العامة للدولة، ويستبشر المواطنون خيراً، وفي يوم الإثنين من الأسبوع الماضي الموافق 20/2/1435هـ ترأس خادم الحرمين الشريفين جلسة مجلس الوزراء التي أعلن فيها ميزانية الدولة والبالغة 855 مليار ريال وبفائض 253 مليار ريال، هذه الأرقام الضخمة تكشف في الأساس عن قوة الاقتصاد الوطني والذي يعتمد في الأساس على النفط كمصدر أساس للدخل.
هذه الأرقام الضخمة التي تعلن كل عام لا شك أنها تثير البهجة والسرور في نفس المواطن الذي يسره أن يرى بلاده بهذا الرخاء والوفرة المالية، لكن وفي الوقت ذاته الميزانية تستثير في المواطن تساؤلات بشأن مشاريع العام الماضي، الذي انتهت ميزانيته مع إعلان الميزانية الجديدة. خلال العام الماضي وعبر وسائل الإعلام بشتى أنواعها وفي المجالس نقرأ ونسمع معاناة الناس في السكن، وفي الخدمات الصحية، وفي وضع المدارس، وفي تصريف السيول، والصرف الصحي، وفي الطرق في بعض الأماكن، ويضاف لهذه معاناة الناس في الحصول على فرص العمل التي تتيح لهم حياة كريمة.
الحياة اليومية للناس مقياس حقيقي لرضا الناس عن الخدمات التي تقدم لهم، ولو تأملنا في ميزانية وزارة من الوزارات لوجدنا أنها تفوق ميزانية بعض الدول، لكن المحير لماذا لا تكون مشاريعنا بمستوى اقتصادنا وبمستوى ما يخصص لها من أموال؟! عندما نقرأ خلال العام الدراسي إعلاناً عن حاجة وزارة التربية والتعليم لاستئجار مبنى مدرسي، ومثل هذا الإعلان يتكرر ولعدة مرات، وفي مناطق عدة، وعندما نسمع من العاملين في الميدان عن نقص الإمكانات، وعن دورات المياه التي لا تناسب الاستخدام الآدمي، ولا تليق بمكان تربوي، يتساءل المرء أين تذهب الأموال المخصصة للصيانة، والأموال المخصصة للمباني الجديدة؟!
إن تكرر الشكوى من عدم توافر سرير في مستشفى، وانتظار مريض أشهراً ليتم نقله من منطقة سكنه إلى منطقة يتوافر فيها علاجه فهذه شكوى مرة يعانيها المرضى وأهاليهم دون أن تجد علاجاً لها طوال هذه السنين مع أن الميزانيات التي تخصص لهذه الوزارات ضخمة.
ما الحل؟ في يقيني أن الحل يتمثل في إعلان كل وزارة وجهة حكومية وفي وسائل الإعلام المختلفة أو أمام مجلس الشورى عن خطط عملها والمشاريع التي تنوي تنفيذها خلال السنة المالية، وإن كان المشروع يحتاج إلى مدة أطول من سنة مالية يبين ذلك، ومع قرب انتهاء السنة المالية تكشف الوزارة للجمهور وبكل شفافية ما تم إنجازه وما لم يتم إنجازه مع بيان الأسباب التي أدت إلى عدم تحقيق المشاريع المقترحة أو أسباب تأخر إنجازها.
إن غياب مؤشر الإنجاز وعدم اعتماده جزءاً من ثقافتنا الإدارية يسهم في تراخي المسؤول وعدم تنفيذ خطة وزارته أو جهته، خاصة مع غياب ثقافة المحاسبة. المال عصب الحياة وزينتها كما ذكر الله في القرآن الكريم لكن المال إن لم يتم توظيفه على شكل مشاريع وبرامج عمل وخدمات يجد المواطن أثرها في حياته اليومية، وعلى أبنائه ومستقبلهم ستكون هذه الأموال مجرد أرقام تفتقد معناها الحقيقي.
مؤشر الإنجاز هو جردة حساب ضرورية تكشف للمسؤول وللمواطن جوانب القوة والضعف التي توجد في المنظومة الحكومية، وتعيننا على تلمس أفضل الطرق لإنجاز مشاريعنا وتقديم الخدمات بأفضل صورة يجب أن تكون وبما يليق بإنسان هذه البلاد بدل أن تتكرر وتتراكم الأخطاء.
أرقام الميزانية الضخمة تعني آمالاً ضخمة للمواطنين، لكن هل تتحقق هذه الآمال أم أننا نعيش ميزانية العام القادم والناس يحلمون بتحققها لتعلن ميزانية بعد ميزانية، وتتجدد الآمال لتتبخر فيما بعد نتيجة الإحباط، وما أشد الإحباط وآثاره على الأفراد والمجتمع.