رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لبنان: أين طائر الفينيق .. أين اللبنانيون؟

لبنان لماذا؟!
لبنان كان الواحة السياسية الجميلة في الشرق الأوسط الذي لم يعرف الجمال منذ بداية القرن إلى يومنا هذا.
ولكن في يومنا هذا لحق لبنان بجدارة ببقية الشرق الأوسط الذي لم يعرف الجمال.
لبنان صنَعَ كل خيالي عن الثقافة والحضارة وأنا صغير، حين كنت أتسلل لخزانة تحت درج منزلنا للعم أحمد الزامل ثم للعم زامل الزامل، وهناك تحت بيت الدرج تعلقتُ بلبنان.
تعلقت بلبنان المهاجرين فقرأت عنهم وعن نجاحاتهم في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي كندا، وفي أصقاع أمريكا الجنوبية في أستراليا ونيوزيلندا، بل حتى في ساحل العاج وبعض إفريقيا الوسطى الغربية. وعشت أرى اللبنانيين أكبر عقلا، وأوسع ثقافة، وأعمق تأملا، ويملكون من المهارات العقلية ما لا يملكه أحدٌ في العالم.. وصدّقتُ ذلك.
قرأت أن اللغة العربية الفصيحة كانت مهجورة، وإن كانت هناك محاولات من بعض المصريين أيام محمد علي، وبعض المحاولات في العراق وسورية، ولكن الآباء اليسوعيين في لبنان هم من وقعوا على اللغة العربية وأخرجوا لها القواميس والمعاجم، بل تعصبوا لها، ووصل تعصبهم حتى في شعائر دينهم. نعم، كانت الكنائس وبالذات الشرقية تصدح تراتيلها بالسريانية، وهم ــــ أي الآباء ــــ من نادى بأن تكون بالعربية، العربية الفصحى. ونهضت اللغة العربية من حيث كان الظنّ بعيدا يوم كانت لبنان رخية الفكر، واسعة المشهد الضميري في الانتماء.. لقد انتمى اللبنانيون بكل طوائفهم وبالذات المسيحية للعرب وللعروبة قبل أن تنادي بها الثورات المؤدلجة، فضعنا وضاعت اللغة والعروبة.
كنت أقرأ عن ''ميخائيل نعَيْمة''، وقرأت له بالإنجليزية أولا وانبهرت بلغته، وانبهرت أكثر أنك وأنت تقرأ له بالإنجليزية تنسى ذلك تماما، فما يتحدث إلا عن لبنان، وعن العرب، وتأمله عربي تماما، وكأنه يفكر بالعربية جذورا وانتماء وروحا ويكتب فقط حروفا بالإنجليزية، ثم قرأت له بالعربية، وتولعت بذاك الأسلوب العربي الموشى المتأمل الذي اخترعه بجدارة اللبنانيون في شعرهم ونثرهم وتأملاتهم وحتى في لغتهم الصحافية. قرأت كتاب ''خالد'' بالإنجليزية لأمين الريحاني المسيحي الماروني، ولم أقرأ وصفا لقداسة وتأثير المسجد الإسلامي الروحي كما قرأته عند الريحاني ويكتبه بإنجليزية صريحة فيقول: ''المسجد هو الذي يشدك من البداية بصوت الأذان الذي يصاحب وقعات القلب، ثم تدخله ولا تود الخروج منه، حيث السكينة والاطمئنان''، بل اسمع ما سيقوله من بعد: ''وهو ــــ أي المسجد ــــ ينأى عن الموسيقى التي تجدها في الكنائس فتشوّش عليك السكون والهدوء الروحيين''.
وعجبتُ لأسلوب ''جبران'' الذي لم يماثله أسلوبٌ كما صرّحت الأمريكية ''ماري هِسْكل''، وأخذ بعقول قراء أمريكا والغرب بحدسه الروحي، وجاذبية كلماته وتراكيبها الفريدة التي تنقلك لأجواء روحانية من صنعه.. وعرفتُ فيما بعد لما كبرت وقرأت عنه من زملائه مثل ميخائيل نعيمة وإيليا أبي ماضي، أن الرجلَ كان يصطنع الحالة اصطناعا كبضاعة لتاجر عظيم الشطارة.
إن اللبنانيين شعبٌ نبيل وعظيم، كما قال كبيرهم ''سعيد عقل'' ــــ الذي للأسف انحاز في آخر عمره لما سماها ''إللغي اللبنانيي''، مع أنه من أجمل من كتب بالعربية الفصيحة شعرا ونثرا، بأنهم أبناء طائر الفينيق الذي ينبعث أقوى كل مرّةٍ من تحت الرماد.
لبنان الذي كان العقل والمصرف الاقتصادي الأول، وكان وجهة السياحة الأولى، صار يغوص في الرماد، ولا نرى طائرا يعود، ولكن رماداً فوق رماد. لبنان صار غابة، بل حتى لم يعد غابة، حيث كان يغني ويشمخ الأرز، بل حشائش يتقاتل فيها بشرٌ فقدوا كل عنصرٍ صنَع لبنان، فأوغلوا فيه إحراقا. وأتساءل: هل يمكن أن يخرج آنفا عظيما طائر الفينيق مرة أخرى؟ أم أنهم كسروا كل أجنحته، وأحرقوا كل ريشه؟
سؤال أخير:
أين اللبنانيون الحقيقيون؟ هل انقرضوا؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي