الجودة الصحية ودورها في الحد من الجهالة
كان الحديث في الأسبوع الماضي حول مفهوم التنافسية وأنه قد لا يسهم في رفع الجودة الصحية أو تقليل التكلفة العلاجية. فبيئة القطاع الصحي تختلف عن القطاعات الأخرى. فالجهالة في المخرجات الصحية تساعد على أن يكون للتنافسية في القطاع الصحي دور محدود في رفع الجودة الصحية أو تقلل التكلفة العلاجية. فمثلا النظام الصحي الأمريكي قائم على التنافسية، لكن هذه التنافسية أدت بصورة أو بأخرى إلى ارتفاع التكلفة العلاجية بدلا من انخفاضها، كما هو مشاهد وموثق في الأدبيات العلمية. كما أن التكلفة الصحية لا يمكن قياسها وتحديدها بعيدا عن الجودة لأن هناك طرقا متعددة لتقليل التكلفة العلاجية لكنها قد تكون على حساب ضبط الجودة. ولا شك أن ضبط الجودة الصحية من أهم الجوانب المتعلقة بسلامة المرضى.
كما أن علاج مرض ما قد يتسبب في مضاعفات لمرض آخر أشد سقما، فالإنسان فيه متغيرات تجعل التعامل معه وعلاجه يختلف من رجل وامراة، وكبير وصغير، إلى آخر المتغيرات النفسية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها. لذا تبقى حقيقة أن القطاع الصحي من القطاعات التي يصعب قياس مخرجاتها بصورة سليمة. فهل المخرج الصحي توفير الرعاية الصحية بصورة شاملة؟ وإذا اتفقنا جدلا على أن هذا هو المخرج الصحي فكيف يمكن قياسه؟
تعقيدات المخرجات الصحية تزيد من أهمية وجود تشريعات تسهم في ضبط مخرجات القطاع الصحي العام منها والخاص. فالمريض ببساطة قد لا يستطيع تقييم المستشفى أو المركز الصحي الأفضل. فتكلفة الخدمة العلاجية ونوعيتها قد لا يستطيع المريض تحديدها بصورة قطعية. فالتكلفة الأعلى أو الأقل لا تعني بالضرورة تقديم رعاية صحية أفضل أو أسوأ. لذا فإن ضبط الجودة الصحية أحد أهم المقاييس التي تسهم في عدالة المقارنة بين المراكز أو المستشفيات الصحية، لأنه من غير المنطقي خلق بيئة تنافسية دون وضع معايير حقيقية للجودة الصحية. فالاستثمار في القطاع الصحي دون مراقبة حقيقية للجودة الصحية يؤدي حتما إلى أن تكون التنافسية على التسعيرة لا الجودة الصحية.
لا شك أن الالتزام بمعايير طبية مكلف، ما يجعل عدم التقيد بها البوابة الأسهل لتقليل التكلفة العلاجية وزيادة الربحية. من هنا تأتي أهمية قرار مجلس الوزراء القاضي بتحويل مجلس المركزي لاعتماد جودة المنشآت الصحية إلى مركز يسمى المركز السعودي لاعتماد المنشآت الصحية. ما أتمناه أن تتاح لهذا المركز كل العوامل التي تمكنه من ضبط الجودة الصحية، ليس فقط في القطاع الصحي الخاص، بل الجودة في القطاعات الصحية الحكومية كافة. وسبق أن دعوت قبل أكثر من عام لتأسيس هيئة مستقلة للجودة الصحية (راجع المقال في جريدة ''الاقتصادية'' في عددها رقم 6922 تاريخ 23 سبتمبر 2012). كما أتمنى أن يدعم هذا المركز من أجل ضمان تحقيقه الأهدف التي أسس من أجل تحقيقها بما في ذلك رفع كفاءة القطاعين الخاص والعام. كما أتمنى أن يسهم المركز بصورة غير مباشرة في تعزيز التنافسية بين القطاعات الصحية المختلفة. فضبط الجودة الصحية يساعد على ألا تكون التنافسية بين القطاعات الصحية على أساس التكلفة العلاجية فقط، بل التنافسية في التقيد بمعايير سلامة المرضى.