رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


جامعاتنا وصنع التغيير على المدى الطويل

نشرت مجلة ''الراصد الدولي'' التي يصدرها مرصد التعليم العالي التابع لوكالة وزارة التعليم العالي للتخطيط والمعلومات، تقريرا عن جدول أعمال التعليم العالي الأسترالي (2013 ــــ 2016) بعنوان ''نحو أستراليا أكثر ذكاء''. ولقد أذهلني الكثير مما جاء في التقرير من معلومات، تبين بما لا يدع مجالاً للشك أن الجامعات في الدول المتقدمة تتعدى في إعداد رؤيتها الاستراتيجية مهامها الأساسية ''التعليم، الأبحاث'' إلى مهام أكبر، ومنها الإسهام الفاعل في رسم وتنفيذ الأهداف التنموية للدولة، ولا أقول الإسهام الفاعل في التنفيذ فقط، إنما في رسم الأهداف أيضاً.
مما أذهلني في التقرير الصادر عن منظمة جامعات أستراليا، أن الجامعات الأسترالية ترى أن من مهامها الجوهرية الإسهام بشكل جوهري في الاقتصاد الأسترالي، وذلك بالعمل على ''إيجاد اقتصاد متنوع ودائم وحيوي''، كما أن الجامعات الأسترالية تفخر بالقيام بدورها المتمثل في الوصول إلى مجتمع أسترالي يسوده ''العدل والإنصاف والمساواة والازدهار''، وأخيراً إسهام يكتب بماء الذهب وهو دعم نظام التعليم العالي خلال أربع سنوات (2013 ــــ 2016)، بهدف ''صنع التغييرات على المدى الطويل'' لتطبيق شعار نحو أستراليا أكثر ذكاء.
لا أخفيكم تساءلت: إذا كان هذا مستوى تخطيط منظمة جامعات أستراليا، فكيف بمستوى تخطيط الوزارة المعنية بإعداد ومتابعة تنفيذ خطة الدولة، التي تنعم بكل تأكيد بجهات تنفيذية حية ومتفاعلة تخطيطاً وتنفيذاً كالجامعات الأسترالية والمنظمة التي تجمعها وغيرها من الأجهزة التنفيذية عالية الجودة تخطيطاً وتنفيذاً، سواء من جهة الميول والاتجاهات والمواقف والقيم والمفاهيم التنموية أو من جهة القدرة الفائقة على التخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقييم المستمر.
وكي تعرفوا مدى قوة عناصر منظومة تنفيذ الخطط التنموية لأستراليا، ومحورية دور الجامعات الأسترالية لنرى ماذا وضعت منظمة جامعات أستراليا من خطوط عريضة للإصلاحات المطلوبة لدعم التعليم العالي لصنع التغييرات على المدى الطويل للوصول لأستراليا أكثر ذكاء. إذ وضعت المنظمة أربعة اتجاهات تقود التغيير في التعليم العالي الأسترالي وهي: ظهور الاقتصاد الرقمي، والتقنيات الحديثة، والعولمة ذات التأثير المتنامي، واحتمالات أن تسيطر قارة آسيا على القرن الحالي وما تتطلبه هذه الاتجاهات الأربعة للتأقلم معها من ضرورة إعادة الهيكلة الاقتصادية والصناعية، وأن تتجاوب أستراليا مع الطفرة في الموارد، وتحسين الإنتاجية، وأن تكون الجامعات هي المركز المحور لجهد وطني عام موجه نحو الابتكار والإبداع.
إذن نحن أمام جامعات تتحرك برؤية شاملة في إطار خطط الدولة التنموية التي تتفاعل معها إعداداً وتنفيذاً، ولا تتحرك كل جامعة برؤية منفردة بعيداً عن خطط الدولة، الأمر الذي جعل جهودها وطاقاتها مركزة كأشعة الليزر نحو الهدف المحصلة الذي يهم المواطنين، المتمثل كما ذكرته منظمة جامعات أستراليا بـ''ضمان مستقبل مزدهر ومثمر للأطفال والأجيال القادمة''، وهنا تشعرنا الجامعات الأسترالية بروح المبادرة وروح المسؤولية التي تتمتع بها من ناحية، كما تشعر بروح العطاء وانعدام روح الأنانية من الأجيال الحالية تجاه الأجيال المقبلة، نعم فمقولة إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر تكاد تكون منعدمة.
قد يتساءل أحدنا: كيف لها أن تلعب هذه الأدوار في هذه المساحات الفكرية الرفيعة والراقية؟ وهنا يجيب التقرير بأن رؤية منظمة جامعات أستراليا لوطنها مبنية على أن بلدا متفائلا يعرف أن مستقبله يعتمد كثيراً على تعليم مواطنيه والابتكار اللذين يمثلان الركيزة الأساسية التي يرتكز عليهما من أجل نموه وتطوره لتحصل المنفعة لجميع الأستراليين أينما وجدوا، وأياً كانت أصولهم وأعراقهم وأن مستقبل البلاد يجب ألا يعتمد على المناخ، أو الموارد الطبيعية، أو أسعار السلع الأساسية، أو الدورات الاقتصادية، وأن هذه الرؤية لا يمكن أن تتحقق إلا عن طريق نظام التعليم العالي المتوافر للجميع على قدم المساواة والدقيق فكرياً والمبتكر والعالي الجودة، الذي يعمل جنباً إلى جنب مع المدارس والتدريب والتعليم المهني.
الجامعات الأسترالية تعمل لتسهم في رفعة المجتمع من خلال تطبيق أساليب التدريس المعاصرة والمبتكرة، وإجراء البحوث، وتسخير مزايا الاقتصاد الرقمي في خدمة المجتمع وعبر قيامها بالتعاون مع القطاع الصناعي والحكومة والمجتمع، من أجل ترجمة البحوث والأفكار إلى مشاريع لتوليد الثروة ورفاهية المجتمع، وبالتالي دورها لا يقف عند إنتاج البحوث والأفكار ووضعها في الأدراج لينال منفذوها الدرجات العلمية العالية فقط.
الحديث يطول عن الجامعات الأسترالية ومساحات رؤيتها وتفكيرها وتجاوزها مسؤوليات التعليم والبحوث لتكون حلقة فاعلة في الدورات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية في البلاد، وما يهمنا هو وضع جامعاتنا التي انتشرت في جميع أنحاء البلاد بفضل من الله ثم جهود حكومة خادم الحرمين الشريفين ــــ حفظه الله ــــ الذي أولى التعليم والبحوث اهتماماً خاصاً، وكيف لجامعاتنا أن تستفيد من هذه التجارب الدولية لتبدأ من حيث انتهى الآخرون فكراً وتنفيذاً، ودون أدنى شك فإنني أرى وزارة التعليم العالي تعمل على ربط المسؤولين في جامعاتنا بالتطورات في التعليم الجامعي في جميع الدول لرفع درجة الوعي والمعرفة من ناحية، ولتوليد الحماس وتأجيج المشاعر الوطنية للحاق بها ومنافستها، وما مجلة ''الراصد'' التي تصدرها الوزارة من خلال وكالة التخطيط والمعلومات إلا دليل على رغبة الوزارة للوصول بجامعاتنا إلى مصاف الجامعات العالمية العريقة والمميزة بجهود أبناء الوطن الذين تتوقع منهم أن يتجاوزوا التفكير التقليدي لمهام الجامعات إلى الدور الابتكاري الإبداعي الذي لا يعرف الكلل ولا الملل المتجاوز للأنا مهما كانت الظروف والمعوقات.
ختاماً كلي ثقة بالقائمين على وزارة التعليم العالي ومديري الجامعات الحكومية والخاصة، ولكننا نتطلع إلى مزيد من الأدوار والإسهامات المهمة والحيوية لجامعاتنا لصنع التغيير على المديين المتوسط والطويل من خلال رسم الأهداف وتنفيذها واستنهاض الهمم، وربط الجهود وتوجيهها نحو الأهداف التنموية، التي يأتي على رأسها الوصول ببلادنا لاقتصاد مستدام لا يعتمد على الموارد الطبيعية بشكل أساسي وإنما يعتمد على مواردنا البشرية الوطنية كمورد اقتصادي ينمو ولا ينضب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي