لا قيمة للشهادة الثانوية مع مركز اختبار القدرات
أحمد الله أنني تخرجت وعملت قبل أن يبدأ المركز الوطني للاختبارات والقياس نشاطه في اختبار القدرات وإلا لكنت في انتظار نتائجه إلى الآن، وربما أعدت هذا الاختبار التعيس مرات عديدة دون أن أجتازه ليس لضعف قدراتي، إنما لقناعتي بأن المركز يغرد في مكان بعيد جدا عن الواقع.
وهذا المركز العجيب الذي تسلط على رقاب الناس باختباراته الغريبة ويتفنن فيها عاما بعد عام ويتوسع في تطبيقها فلم يترك طالبا ولا طالبة، ولا خريجا أو خريجة، ولا موظفا أو موظفة، إلا كان ضمن مستهدفيه، كيف لنا أن نثق بأهدافه؟ ونحكم على أدائه؟ وهو الذي يجري اختباراته عبر ''أنظمة إلكترونية'' لا تعرف مع من تتعامل، فلا تقيس قدرات، ولا ترى مهارات وكل أسئلتها خبط عشواء بين الاختيار المتعدد، وإجابات الصح والخطأ، وغيرها من التخبطات، ثم يكون المعيار الوحيد للحكم على مستقبل مئات الآلاف من شباب الوطن، فلا يقبلون في جامعة، ولا يحلمون بوظيفة إلا بعد اجتياز هذه الاختبارات الماراثونية العجيبة.
لقد كتب الكثيرون عن الطريقة الغريبة التي يدار بها هذا المركز وما تسببته اختباراته المعقدة في حرمان المئات من الوظائف المطروحة، وكأننا في حاجة إلى مزيد من التعقيدات، وتأزيم نفوس الشباب من الجنسين، ولم يكفهم عناء الغربة، والابتعاث، واختبارات الجامعة، وتعقيداتها وبيانات ''حافز'' و''جدارة'' وطوابير انتظار التوظيف في وزارتي الخدمة المدنية والعمل، لنجلدهم مرة أخرى بسياط هذا الاختبار ونلزمهم فوق ذلك بدفع الرسوم ولأكثر من مرة.. لماذا هذه الرسوم؟ ولمن تدفع؟ ولمصلحة من؟ وأين تصرف؟ أليس المركز تحت إشراف وزارة التعليم العالي؟ وهل الوزارة في حاجة إلى أن تجمع من كل طالب وطالبة 100 ريال في ظل ميزانياتها المليارية؟
هل يدرك القائمون على المركز أنهم بقصد أو دون قصد حولوا مدارسنا الثانوية إلى ساحات من الفوضى والاستهتار واللامبالاة؟ لأن شهادة الثانوية العامة لا تشكل أهميتها الآن سوى 20 في المائة للطالب و80 في المائة هي للدرجة التي يحققها الطالب في اختبار القدرات.
وهم في طريقهم إلى تحويل الشهادات الجامعية إلى المصير ذاته، ما سيحول جامعاتنا إلى قاعات فارغة لا قيمة لها ولا لشهادتها ولا قيمة فيها للطالب المتفوق الحريص على اكتساب المهارات.
إن كل المبررات التي ذكرت حول استمرار هذه الاختبارات المبهمة بهذه الطريقة لم تقنع أحدا، لا من المهتمين بالتعليم ولا المجتمع، الذي يسوق أبناءه وبناته لهذه الاختبارات العشوائية على مضض.
نحن لسنا جهلاء إلى الحد الذي ننكر معه احتياج مؤسساتنا التعليمية إلى نظم قياس مستمرة ومتطورة لمعرفة إلى أي مدى تتجه خططنا التعليمية، وهل حققت أهدافنا المنشودة؟ وهل تتناسب مع خطط التنمية أم أنها تصير في وادٍ آخر؟ لكن ليس بهذه الطريقة التي يصير عليها المركز وليس بالحد الذي يجعل أبناء وطن كامل أسرى لهذه الاختبارات العشوائية.
النقد المتصاعد لأداء المركز الوطني للقياس والتقويم والنتائج المتواضعة التي تسود في الميدان التعليمي وتركيز معظم الخريجين على اجتياز اختبارات المركز دون تركيزهم على اكتساب المهارات المعرفية التي تمكنهم من مواجهة تحديات التغيير ومتطلبات النمو المعرفي والتقني ومهارات سوق العمل يجعلنا نطلب من خبراء التعليم ومن الجهات المسؤولة أن تعيد النظر في مدى استمرار هذا المركز، خاصة في ظل إنشاء هيئة عليا لتقويم نظم التعليم العام وهيئة عليا أخرى لتقويم نظم التعليم العالي.