رحمك الله وعفا عنك يا أبا أحمد
''تويتر''، 23 نوفمبر، ''انتقل إلى رحمة الله الدكتور محمد بن أحمد الرشيد، وزير التربية والتعليم الأسبق''. عندما لمحت عيناي هذا الخبر المفجع في ''تويتر'' وقرأته، مرت علي برهة من الوقت قبل أن أستوعب المعنى. ليس استبعادًا لحدوث الموت، وهو حق، ولكنني كنت أعلم أن أبا أحمد كان بصحة جيدة. ودارت في مخيلتي أفكار غريبة. وصرت أسأل نفسي، هل كان هناك مجال للمزح الثقيل، أو قد يكون تشابها في الأسماء؟ وكنت أيضا أدرِك أن الله جل شأنه يقول في محكم كتابه ''فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون''. و''كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون''. انتظرت قليلاً لعلي أقرأ ما ينفي مضمون هذا الخبر. ولكنها توالت المكالمات التي كانت تؤكد لي أن الخبر كان حقيقة لا لبس فيها، فلا خلط بين الأسماء ولا مناص من قبول قدر الله. حينها أصِبت بصدمة عنيفة غيبتني عن شعوري ودارت الدنيا في مخيلتي وتناثرت دموعي، حزنًا على فقدان قريب وصديق وحبيب عزيز علي وعلى أسرتي. وانتقل ذهني في الحال إلى أحبائه من الإخوان والأولاد وإلى شريكة حياته متعها الله بالصحة والعافية، وأعانهم الله على فراقه وألهمهم الصبر على قضاء الله وقدره، وكيف واجهوا هذا المصاب الأليم. فقد كان تغمده الله برحمته أباً رحيماً وأخاً مخلصاً وصديقاً للجميع ولكل من له علاقة بعائلة الرشيد، ذات السمعة الطيبة والترابط الأسري المتين. وتصورت حينئذ لو كنت مكانهم في تلك اللحظات الحرجة. فزادني ذلك ألماً لما كنت أتخيل هول الصدمة التي كانت قد أصابتهم على حين غرة، ولا راد لقدر الله وحكمته.
كان أبو أحمد- رحمه الله- فقيد الجميع، بل هو فقيد الوطن بأكمله. كيف لا، وهو صاحب القلب الكبير الذي كان يتسع إلى أبعد من محيط عائلته ووزارته. فلم تغير المراكز العلياء من طبيعته ولطفه ولا من حسن معاملته لكل منْ تعامل وعمِل معه. فقد كان- رحمه الله- قمة في التواضع، بشوشاً مرحاً متسامحاً حتى مع منْ كانوا على خلاف معه في الرأي. كان كريمًا إلى أبعد الحدود، فلا تنطفئ له نار ولا يستثني صديقا. وكان مجلسه يجمع ولا يفرق. فكم من تعارُفٍ وصداقاتٍ حميمة تولدت بين محبيه ومريديه في مجالسه العامرة.
ولو كانت الأعداد الكبيرة من البشر الذين توافدوا على مجلس العزاء مقياساً للحب والتقدير والوفاء، لكان ذلك كافيًا لأن يثبت ما لهذا الرجل الكريم الحبيب، تغمده الله برحمته، من قدر ومحبة لدى الجميع. ونحن على يقين من أن من لم يسعفهم الحظ بالحضور بسبب مشقة الأسفار هم أضعاف الذين يسر الله أمرهم وقدَّموا عزاءهم. ولم تكن الجموع الغفيرة، منْ حضر منها مراسم العزاء ومنْ لم يحضر، تُكِنُّ لفقيدنا هذا الحب الفياض والتقدير العظيم والاحترام لأن محمد الرشيد كان فقط وزيرًا ناجحاً ومطوراً ومجدداً، بل لأنه كان قبل كل شيء إنساناً، بكل ما لهذه الكلمة من معنى. فقد كان عفيفًا نظيف القلب طيب السريرة حسن العشرة. كان عطاؤه الفكري في مجال التربية والتعليم بلا حدود وإلى آخر يوم من حياته. والكل يذكر فضائله على السياسة التعليمية في المملكة والإضافات التقنية والعلمية التي بدأ تنفيذها على عهده. غفر الله له ولوالدينا ولجميع المسلمين.
وسبحان الله، على الرغم من أن وفاته، التي جاءت في لحظة قصيرة، كانت فاجعة للجميع، القريب والبعيد، الصغير والكبير، إلا أنها كانت تلك أمنيته قبل وقت قصير من دنو أجله، أن يتوفاه رب العالمين دون أي معاناة. فاللهم اجعل ذلك دليل رضاك وبشرى عفوك، إنك سميع مجيب.