رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مفهوم الجهالة والاستثمار في القطاع الصحي الخاص

لعلي أستكمل الحديث حول قضايا الاستثمار في القطاع الخاص. فمن النقاط المهمة حول الاستثمار في القطاع الصحي الخاص أنه من القطاعات التي لا يمكن التعامل معها بمفهوم التنافسية في سعر الخدمة أو في الجودة المقدمة. ففي القطاعات غير الصحية يمكن إجراء مقارنة بين الشركات المتنافسة من ناحية تكلفة ونوعية الخدمات المقدمة. فمثلا قبل الاشتراك مع إحدى شركات الاتصالات، يمكن إجراء مقارنة بين الخدمات المقدمة من قبل مقدمي الخدمة كتكلفة الاتصال، ونوعية الاشتراك، وملائمة الباقات المقدمة للحاجة وخلافه. وبعد مقارنة سعر الخدمة بنوعية الخدمة يمكن أخذ القرار المناسب.
القطاع الصحي قد يصعب عمل مقارنة من هذا النوع لأن الخدمة المقدمة للمريض تعتمد على جودة الكادر الطبي والفني بشكل عام، كما أن الخدمة تعتمد أيضا على جودة المكان الذي يتلقى المريض فيه الرعاية الصحية. ومن المعلوم أن قياس جودة الكادر الطبي أو جودة المكان قد يصعب قياسهما بصورة مباشرة. فمثلا كيف يمكن تحديد جودة الجانب البشري كالطبيب والكادر الطبي المساند له؟ فهل التميز بين الأطباء على أساس مدى الاختلاف في تحصيلهم العلمي؟ أو مدى مشاركتهم البحثية؟ أو مدى شهرتهم وخبرتهم؟ أو على أساس الاختلاف في قدرتهم على التواصل مع المريض وأهله؟ أم على أساس الاختلاف في الأمانة والمصداقية؟
ومن يحدد معايير جودة الطبيب؟ المريض أم زملاء المهنة؟ أم رئيس القسم؟ أم المدير الطبي؟ أم لجنة للاعتمادات الطبية بما فيها اعتماد الأطباء؟ وكيفية التأكد من جودة الكوادر الطبية الأخرى من تمريض وصيدلة وكوادر مهنية وتخصصية وفنية أخرى؟
فإذا كان المريض قد لا يستطيع المقارنة بين الطبيب المميز عن الطبيب الأقل تميزا، فمن باب الأولى أنه لا يستطيع المقارنة بين مركز أو مستشفي صحي بآخر لأن المتغيرات ستكون أكبر وأعقد، كما أن هناك خدمات وتكاليف قد لا يراها المريض. فمثلا كم تكلفة أدوات القسطرة خصوصا الأجزاء التي تستخدم لمرة واحدة؟ فتجد أن التكلفة تختلف حسب اعتبارات كثيرة، قد لا يعي المريض أنواعها، فضلا عن أن يعي التباين في تكاليفها وجودتها.
كما أن مفهوم الجهالة له ارتباط ليس فقط بمعرفة الكادر الصحي المميز من غيره بل حتى في معرفة التكلفة الحقيقية للخدمات الصحية المقدمة، فهناك تكلفة مباشرة وتكلفة غير مباشرة. مثلا بعض القطاعات الصحية قد تطلب من المريض إجراء العديد من الفحوص المخبرية أو التشخيصية أو العلاجية غير الضرورية من أجل زيادة ربحية المستشفي أو المركز الصحي. التكلفة الأولية في بعض الحالات العلاجية قد تكون معلومة لكنها تقود لتكاليف أخرى قد لا يدركها المريض أو ذووه إلا بعد أن ينخرط المريض في الخطة العلاجية.
لا شك أن هيئة التخصصات الصحية تلعب دورا حيويا في اعتماد الأطباء والكوادر الصحية الأخرى. الهيئة لها دور مشكور في الحد من الأخطاء الطبية عبر التأكد من مهنية العاملين في القطاع الصحي سواء أطباء أم صيادلة أم تمريض أم خدمات صحية وفنية مساندة. على الرغم من أهمية دور هيئة التخصصات الصحية إلا أنه يظل محدودا لأن مفهوم الجهالة لدى المريض ليس مقصورا فقط على مدى معرفته بتأهيل الطبيب، ولكن لدى المريض جهالة في مدى تأهيل المركز الصحي أو المستشفى. الهيئة دورها تأهيلي وضبط لجودة العنصر البشري من أطباء وصيادلة وممرضين وغيرهم، لكنها لا تمارس دور ضبط الجودة الصحية على مستوى الخدمات الصحية كمبان أو خدمات. لذا تأتي أهمية إنشاء مركز متخصص لضبط الجودة الصحية على مستوى الخدمات من أجل ضبط الجهالة في مدى كفاءة المركز العلاجي وهو ما سأتحدث حوله في مقال الأسبوع المقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي