رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


غياب الفكر المؤسسي وتبديد الموارد

أحدهم يعمل في شركة إنتاج تلفزيوني في القطاع الخاص يقول إن إحدى المؤسسات الخليجية المعنية بالتوعية ما أن تغير رئيسها حتى تحولت من حال إلى حال حيث اعتبر الرئيس الجديد مهمته الأولى إيقاف كل ما كان يقوم به سلفه من خطط وبرامج تنفيذية وقطع العلاقة مع المستشارين والموردين أثناء مدة رئاسته باعتبارهم فلول رئاسة سابقة، ويضيف هذا الرجل أن هدراً كبيراً للموارد ستتعرض له هذه المؤسسة وأهمها مورد الوقت، حيث ما أن يتغير مسؤول حتى تبدأ العمل من جديد دون إنجازات تراكمية.
حال هذه المؤسسة هو حال الكثير من الوزارات والأجهزة والهيئات والمؤسسات والشركات، حيث يغيب الفكر المؤسسي ويحضر الفكر أو اللا فكر الفردي الذي يعمل بعواطفه أكثر من عقله حال استلامه للمنصب إذ إن الموقف الأساسي هو كيفية فهم العمل من السابقين والتخلص منهم باعتبارهم من فلول المسؤول السابق الذي قد يدينون له بالولاء، ولذلك كثيراً ما نرى برامج ومشاريع بل واستراتيجيات تقف وتنحرف عن مسارها بمجرد تغير المسؤول الذي كان يتبناها أو يرعاها، ونبدأ بسماع مبادرات وحلول جديدة لا تمت بصلة للمبادرات والحلول السابقة وكل ذلك يصب في خانة الهدر من جهة وفي خانة ضياع فرص التنمية والتصدي للمشكلات من جهة أخرى.
أذكر أن مسؤولاً في إحدى الجهات الحكومية تبنى وأطلق مشروعاً تطويرياً تنموياً يتطلب سنوات طويلة وجهوداً وإنجازات تتراكم عبر السنين لتحقيق غاياته النهائية وإن كانت أهدافه المرحلية تتحقق سنة بعد سنة وكان هذا المسؤول قلقاً جداً ممن سيأتي بعده حيث يتوقع أن يوقف المشروع الأمر الذي يعني عدم تحقيقه غاياته النهائية، كما يعني هدراً كبيراً للجهود والأموال والوقت وحرمان البلاد والعباد من فوائده ولذلك كان جل تفكير هذا المسؤول كيفية تحصين هذا المشروع مهما تغير المسؤولين، وهي فكرة جيدة من وجهة نظري إذا كان هناك آليات لتحقيق التحصين وإيقاف الهدر حين تغيير المسؤول.
قلق هذا المسؤول الذي يريد لمشروعه أن يحقق غاياته بما يعزز مستوى معيشة المواطن يقابله ضعف ثقة المواطن واستخفافه بكثير من المشاريع باعتبارها حبر على ورق وأنها تطلق بشكل وتنتهي بشكل آخر مع طول سنوات التنفيذ التي تتجاوز سنوات التنفيذ المعلنة أو أنها توقف بشكل مفاجئ والأمثلة كثير ولا حصر لها ومنها مشاريع مادية ومنها أنشطة فكرية كالمؤتمرات والمنتديات التي تزايدت قوتها وإنجازاتها وما لبثت أن خفتت وغابت بمجرد تغيير المسؤول.
يضاف لقلق المسؤولين الحاليين المبادرين بمشاريع تطويرية وضعف ثقة المواطن بتلك المشاريع ومدى تنفيذها كما أعلنت وبالمدة المعلنة وعدم توقفها أو انحرافها، أقول يضاف لهما قلق العاملين بالقطاع الخاص الذين يعانون الأمرين من تغير المسؤولين فمنهم من يتوقف مشروعه وانسيابية تنفيذه بمجرد تغير المسؤول باعتباره من فلول المسؤول السابق كما هو حال الموظفين الأمر الذي يترتب عليه خسائر مالية كبيرة والأمثلة أيضاً كثيرة خصوصاً بالنسبة للشركة المتوسطة والصغرى التي تعجز عن فهم الأنظمة وتوكيل المحامين والصبر على طول فترة التقاضي وتكاليفها.
أيضا تعاني شركات ومؤسسات القطاع الخاص تغيير المسؤول والذي يؤدي للتغير المفاجئ في الأنظمة واللوائح والرسوم والتكاليف ما يجعلها عرضة للتعثر والفشل والخسائر، خصوصاً عندما تكون قرارات المسؤول الجديد تؤثر بشكل كبير في خفض إيرادات المنشأة ورفع تكاليف تشغيلها والأمثلة كثيرة أيضا ومنها قرار رفع رسوم رخص العمالة الأجنبية التي أثرت بشكل سلبي في كثير من المستثمرين بالشركات والمؤسسات المتوسطة.
بعض المسؤولين يطلق مشاريع كبيرة وذات أثر كبير في حياة الناس ومستواهم الفكري والاقتصادي لو تحققت ونجحت ومن ذلك ما أطلقته هيئة الاستثمار في فترة رئاسة الأستاذ عمرو الدباغ من مؤشرات التنافسية ومنتدى الرياض الاقتصادي والمدن الاقتصادية ومجالس تنافسية المناطق وتنافسية معدلات انتشار الإنترنت في المناطق وغيرها من المبادرات والتي لا نعرف ما مصيرها بمجرد أن انتهت مدة رئاسته للهيئة واستبداله بمحافظ آخر فهل تغيرت الأحوال أم أننا لسنا بحاجة لكل ما فعله الدباغ؟ ما مصير مدينة حائل الاقتصادية على سبيل المثال؟ أعتقد أنها آفة عدم تحصين الخطط والبرامج والمشاريع عندما يتغير المسؤول.
من المفارقات أيضاً التي تؤثر بشكل كبير في حياة الناس توجه بعض المسؤولين لخصخصة نشاط وزارته على سبيل المثال والعمل في هذا الاتجاه وتهيئة الظروف، لذلك وبذل المال والوقت والجهد ثم ما أن يتم تغييره حتى يأتي مسؤول آخر لا يرى الخصخصة استراتيجية مناسبة ويتجه للمزيد من الدور الحكومي في البناء والتشغيل لتحقيق الخدمات الأمثل للمواطنين ولاشك أن في ذلك هدر كبير للموارد وأهمها مورد الوقت.
والسؤال لماذا هذا الهدر في الموارد كلما تغير المسؤول؟ ولماذا لا يمكن تحصين المشاريع الاستراتيجية؟ ولماذا نفقد ميزة التراكمية في الإنجاز؟ أكثر من مختص يقولون إن ذلك يعود لغياب الخطة الرئيسة التي تنطلق من وزارة التخطيط والاقتصاد التي يجب أن تراقب التنفيذ وفق جداول زمنية متفق عليها مع الجهات المعنية سواء كانت وزارات أو هيئات أو شركات تمتلك الحكومة فيها نسبة كبيرة، وبالتالي فإن من يخطط وينفذ هو المسؤول بالتعاون مع فريق عمله الذي ما أن يترك منصبه لأي سبب كان حتى يأتي مسؤول آخر بفكر آخر ليهدم كل ما عمله سابقه أو يوقفه أو يغير مساره كما يقوم بتجميد أو إبعاد جميع فلوله كما هو التعبير الدارج حالياً.
أعتقد أنه حان الوقت لمنع الهدر في المال والوقت والجهد وأن نحد من دور الفكر الفردي للمسؤولين ونعزز من الفكر المؤسسي في إدارة أجهزة الدولة وهيئاتها والشركات الكبرى التي تمتلك الدولة نسبة كبيرة فيها، ولتحقيق ذلك لا بد أن تلعب وزارة التخطيط والاقتصاد دورها على أكمل وجه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي