رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


جائزة صالح الحصين للنزاهة

قبل بضعة أشهر رحل عن عالمنا الشيخ الجليل ورجل الدولة ووزيرها الزاهد صالح الحصين - رحمه الله. والحديث عن صالح الحصين لا يمكن اختزاله في مقالة في ظل وجود من هو أقدر مني على الحديث عن أحد معاصري معركة التنمية في بلادنا، فضلا عن ضخامة تجارب الراحل وثرائه المعرفي وعلاقاته المتعددة، ولعل الكتاب الذي أصدره الكاتب زياد الدريس عن الراحل يكشف فيه الكثير من الجوانب المضيئة لرجل عمل بصمت وغادر بصمت ككل الكبار، إلا أن جانب النزاهة في حياة صالح الحصين ظل منارة واضحة لكثير من المتابعين لسيرة الراحل أو من عملوا معه أو عرفوه عن قرب.
وعلى امتداد تجربته الإدارية التي بدأها موظفا ثم مؤسسا لبنك التنمية العقاري، ثم وزير دولة، ثم رئيسا للحرمين الشريفين، ورئيسا لمركز الحوار الوطني، ظلت نزاهة الشيخ وحرصه معروفين, ويكفي أنه اختار طواعية تنازله عن كثير من الملذات ليعيش في شقة عادية قرب المسجد النبوي الشريف متفرغا للعلم والعبادة فقط.
حتى بعد خروجه وتقاعده من العمل الحكومي، وهو بمرتبة وزير، رفض الوزير المتقاعد كل المغريات بما فيها منحه أرضا كبيرة مجاورة للمسجد النبوي قائلا: ''أخشى أن يطوقني الله بها يوم القيامة''، وحين ألح عليه بعض المسؤولين قبلها لتكون وقفا في سبيل الله ولم يأخذ منها ريالا واحدا.
وليت محتكري آلاف الأمتار من الأراضي الذين استولوا عليها بطرق ملتوية يقرؤون ما قاله هذا الرجل النزيه.
واليوم ومع انتشار كثير من الأخبار المزعجة حول قضايا الفساد لزمرة من المسؤولين الفاسدين، وتساهل الكثير من الناس في التبرير والتسويق لمن تورطوا بشكل مباشر وغير مباشر في ملفات مؤلمة من الفساد المالي والإداري، يجدر بنا أن تكون سيرة صالح الحصين إحدى السير التي نواجه بها طغيان الفساد في جانبه الترويجي الخفي.
ومن هنا أقترح على كل باحث ومهتم بمكافحة الفساد في جميع الجهات الرقابية والمؤسسية، وعلى رأسها هيئة مكافحة الفساد، أن تتبنى ضمن جهودها التوعوية وحملاتها الإعلامية جائزة باسم الراحل''صالح الحصين للنزاهة''.
وهذه المبادرة كفيلة بإخراج نماذج مضيئة وبارزة في أجهزة الدولة كانت الأموال تجري من تحت أيديها إلا أنها لم تضعف ولم تلن أو تبع مبادئها الدينية والأخلاقية بعرض من الدنيا.
ولعلنا نتذكر ما قاله عملاق الإدارة الراحل ورجل الدولة المشهود له بالنزاهة الدكتور غازي القصيبي حين قال - رحمه الله: ''ليس سهلا لأحد أن يدعي النزاهة وهو لم يتعرض لإغراءات بعشرات الملايين''
وأورد القصيبي في كتابه ''حياة في الإدارة'' في معرض حديثه عن النزاهة شهادتين عن رجلين لم نكن لنعرفهما لولا أن ذكرهما في كتابه الشهير. كان الأول المهندس محمود طيبة - رحمه الله - الرئيس السابق لشركة الكهرباء، الذي رفض عرضا كبيرا بقبول عشرة ملايين ريال من أجل ترسية أحد العقود بطريقة مخالفة من إحدى الشركات الكورية عام 1976، إضافة إلى نسبة 5 في المائة من كل عقد مستقبلي لينتهي عرض الشركة بالقبض على مندوبهم وطردهم من العمل داخل المملكة. يقول القصيبي في تعليقه على هذه الحادثة: ''لو تلقّى محمود طيبة عمولة عن كل عقد وقّعه لكان اسمه الآن في قائمة كبار الأغنياء في العالم. إلا أنّه حقّق ما هو أعظم من الثراء. سيظلّ اسمه يلمع ويبرق في كل قرية نائية دخلتها الكهرباء بفضل جهوده وجهود زملائه، وما عند الله خيرٌ وأبقى''.
أما المهندس الآخر فقد كان المهندس يوسف الحماد - رحمه الله - الذي كان مساعدا لغازي القصيبي، وقد رفض عرضا مفتوحا على أحد عروض المناقصة التي وقعت بقرابة 100 مليون ريال يختار فيها العمولة التي تناسبه. يقول الوزير القصيبي: ''لم يكن يعرف الناس أن المهندس الحماد، الذي تنسب له نجاحات توحيد شركات الكهرباء ورفض الملايين كان يسكن بيتا متواضعا بالإيجار'' لكنها النزاهة التي بقيت له حتى بعد رحيله من الدنيا.
وهذان المثالان ليسا الوحيدين، لكن ربما كانا الأكثر شهرة، لأن الكاتب غازي القصيبي والكتاب ''حياة في الإدارة''.
إن أولى خطوات انتشار الفساد هذا الترويج المتصاعد لأخبار الفاسدين والمتنفذين واستعراض مخالفاتهم بطريقة بطولية جعلت منهم نجوما ونافذين وأثرياء على حساب أولئك الشرفاء النزيهين، وهنا تكمن أهمية النظام الحازم والتوعية الذكية لمكافحة الفساد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي