هل من رقابة شعبية لمحاربة الفساد؟

في السنوات الأخيرة وبالذات بعد حادثة الغرق التي تعرضت لها جدة وما ترتب عليها من خسائر بشرية ومادية علم منها ما علم، أصبح موسم هطول الأمطار مناسبة يترقب فيها الناس المطر بشوق وحذر في الوقت ذاته، بشوق لأن بلداً صحراوياً كبلادنا ونسرف في استخدام الماء في الزراعة وفي البيوت يحتاج إلى ثروة مائية كبيرة مستديمة كالأنهار أو الأمطار على مدار العام، لكن الظروف البيئية والجغرافية في الوقت الراهن لا تساعد على ذلك وربما تتغير الأحوال بعد دورات مناخية قادمة. فرحنا بالمطر ليس غريباً إذ إن شعوب العالم أجمع تفرح بالمطر وتحزن إذا تأخر عن موعده المعتاد، ولذا يسارعون للصلوات طلباً للغيث لأن الماء سر الحياة.
لكن الحذر والترقب الوجل للأمطار لم يأت من فراغ، بل لأن الأحداث والمآسي المتكررة التي حدثت في مناطق المملكة وأبرزها في السنوات الماضية جدة وتبوك وجازان وبداياتها في هذه السنة في حائل والرياض وما رصدته كاميرات الناس وتم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي ما هو إلا نماذج بسيطة تكمن وراءها تفاصيل مؤلمة لأولئك الذين فقدوا أحبابهم وممتلكاتهم.
ما يهمنا في هذا الموضوع هو معرفة أسباب حدوث هذه الكوارث المرتبطة بالسيول رغم أن دولاً أخرى تعتمد على دعم المملكة لميزانياتها لا يحدث فيها ما يحدث لدينا من آثار كارثية للسيول، فهل القوم يفوقوننا في إدارة تنفيذ المشاريع، وهل القوم يحبون أوطانهم أكثر من حبنا لوطننا، لذا فهم مخلصون في تنفيذ مشاريعهم بينما نحن لسنا كذلك، أم أن ما يخصص للمشاريع لديهم يفوق ما نخصصه نحن؟
هذه الأسئلة وغيرها هجمت علي وحاصرتني عند مشاهدتي ما أحدثته أمطار الرياض في شوارعها ومنشآتها. لو بحثنا في الموضوع بعمق لوجدنا أن الجهات التي تبين الخلل في منشآتها ومشاريعها فيها مهندسون تلقوا تعليمهم في جامعات لها سمعتها، وفيها من هو متخصص في الإدارة، أما محبة الوطن فلا أعتقد أننا أقل في حبنا لوطننا من غيرنا، خاصة أن وطننا بلد الرسالة وموطن الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين، وديننا يحثنا على الإخلاص في العمل، أما على المستوى العالمي فبلادنا لها أهميتها الاقتصادية، لكونها أكبر منتج للبترول، ولدينا وفرة مالية كبيرة. أما فيما يتعلق بالأموال التي تخصص للمشاريع فالأرقام التي نسمعها ونقرأها بشأن تكاليف مشاريعنا أموال ضخمة، بل إنها تفوق ما يصرف على ما يضاهيها من مشاريع الدول الأخرى عدة مرات ومع ذلك نجد الفرق شاسعا في جودة ومتانة المشاريع وبالطبع لصالحهم.
إذاً أين الخلل؟ الخلل في المنظومة الإدارية التي تفتقد الشفافية، والرقابة، والمحاسبة وهذا يوجد مناخاً مناسباً لسرقة المشاريع والتلاعب فيها، ولذا تكون مشاريعنا بمستوى رديء حتى أصبحنا محل تندر لمن يعيشون بيننا ومن قبل أناس ينتمون لدول أقل منا في ملاءتها المالية.
أقترح لتجاوز المشكلات الناجمة عن الفساد المالي والترهل الإداري الذي يتسبب في الخلل الكبير في المشاريع والخسائر المادية والبشرية إتاحة الفرصة لرقابة شعبية منذ التفكير في المشروع وتحديد مكانه وتصاميمه وميزانيته وعمليات تنفيذه بدلاً من ترك الأمر للجهات الرسمية التي ثبت تجذر الفساد في نفوس بعض العاملين فيها، ما اضطر خادم الحرمين الشريفين في أكثر من مناسبة إلى الاعتراف بوجود الفساد الذي دعاه لإنشاء هيئة النزاهة لمحاربة الفساد المستشري، لكن في ظني أن الفتق أكبر من الرقعة بدون الرقابة الشعبية.
الرقابة الشعبية أعتقد أنها قد تخترق المجموعات المغلقة ذات المصالح المشتركة التي توجد داخل الدوائر الحكومية وتعمل مع أطراف خارج المنظومة الرسمية، لكنها تشكلت خلال سنوات وتشكل قوة ذات سطوة وتأثير لمعرفتها بالأنظمة وكيفية تجاوزها والتلاعب فيها بما يخدم مصالحها المشتركة، التي تكون على حساب جودة المشاريع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي