رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ماذا بقي للتدريب الأهلي؟

قبل خمس سنوات تقريبا نقلت جميع الأمور الإشرافية والتنظيمية في المعاهد والمراكز التدريبية إلى المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني في قرار تنظيمي، بعد أن كانت صلاحيات الإشراف عليها مشتتة بين عدد من الوزارات، وعملت المؤسسة في ضوء القرار على إعداد لائحة تنظيمية للمعاهد ومراكز التدريب المختلفة، واللائحة التي نتفق مع المؤسسة في جوانبها التنظيمية، إلا أن العمل بها على أرض الواقع كشف عن تقييد كبير لسوق التدريب الأهلي يصل إلى حد الاختناق، ولم يراع في اللائحة طبيعته كقطاع خاص واعد يحتاج إلى الدعم والانطلاق باعتبار التدريب مفتاحا رئيسا لتطوير الأفراد والمؤسسات، وفي معظم الدول تحظى مراكز التدريب بدعم خاص من الدولة ومن المؤسسات الاجتماعية كلما استطاعت تحقيق منجزات تدريبية في تدريب وتأهيل شرائح اجتماعية أكثر.
لائحة المؤسسة التي فرضتها على المعاهد فرضت الكثير من الرسوم على المعاهد مقابل كل إجراء تقوم به، واشترطت لعقد أي برنامج موافقتها واعتماده لديها حتى لو كان ليوم واحد، واشترطت لختم أي شهادة رسوم 100 ريال على المتدرب، وتدخلت في تعيين الموظفين والمدربين واعتمادهم لديها، وتحولت إدارات التدريب الأهلي إلى فرق ''سكرتارية'' لتسجيل بيانات المعاهد ورصدها وتوثيقها وإرسالها للرياض عبر أطنان من الورق والإجراءات الطويلة التي ليس فيها إجراء إلكتروني واحد،
وتدخلت إدارات التدريب الأهلي ومشرفوها بموجب اللائحة في كثير من التفاصيل فهذا يمنع برنامجا تدريبيا للأطفال بحجة عدم وجوده في اللائحة، وآخر يوقف برنامجا تدريبيا لأنه لم يعتمد من المؤسسة، وآخر يوقف برنامجا لأنه مختلط. هل هذه مؤسسة تدريب أم هيئة الأمر بالمعروف؟
وهذا مشرف يوبخ مدير الفرع لأن موظف الاستقبال غير موجود ضمن المعتمدين لدى المؤسسة، وهل المؤسسة أحرص على مصلحة المعهد من ملاكه الأصليين؟ وغير ذلك من المخالفات الغريبة.
مع هذا الجو الخانق أغلقت كثير من المعاهد أبوابها، وأخرى غيرت نشاطها، واهتز سوق التدريب وخسر الكثير من الكفاءات ولم يتجاوز عدد المتدربين على مستوى المملكة في سوق التدريب الأهلي 114 ألف متدرب ومتدربة وهو رقم متواضع جدا قياسا ببلد يتجاوز عدد سكانه 26 مليون شخص، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل حوصرت المعاهد والمراكز التدريبية التابعة للمؤسسة العامة بمنافسين آخرين لا يخضعون لأنظمة المؤسسة وسلطتها الخانقة، فهذه مراكز الأحياء التي تتبع لوزارة الشؤون الاجتماعية بدأت في تدشين وتسويق برامجها التدريبية دون الخضوع لرقابة المؤسسة، والجمعيات الخيرية ومكاتب توعية الجاليات تعمل واستقطبت الكثير برسوم منافسة وأحيانا مجانية، الجامعات بدأت تنشئ مراكز تدريب تابعة لها تقدم نفس برامج المعاهد وبرسوم أقل أحيانا ودون الخضوع للتعقيدات نفسها، أما الغرف التجارية فقد استطاعت الاحتفاظ بقرار وزاري يتيح لها طرح وتدريب ما تشاء من برامج وبرسوم منافسة، والأمر نفسه ينطبق على هيئة التخصصات الصحية التي رفضت التخلي عن التدريب الصحي، أما وزارة التربية فقد سمحت للمستثمرين بتأسيس مراكز التدريب التربوي دون قيود أو رسوم. وهكذا لم يبق للمستثمرين في التدريب الأهلي الخاضعين لسلطة المؤسسة سوى الندم على حظهم العاثر الذي جعلهم يتمسكون بالاستثمار في هذا المجال وتحت إشراف جهة لم تحمهم ولم تراع أي اعتبار لتنمية هذا السوق الواعد ودوره التنموي رغم رسالة إدارة التدريب الأهلي التي تنص على ''تنمية الموارد البشرية من خلال تشجيع القطاع الأهلي للاستثمار في التدريب بما يسهم في سد حاجة سوق العمل من القوى البشرية المؤهلة من خلال الترخيص للقطاع الأهلي بالتدريب والإشراف عليه وتحديد معاييره الفنية''. ولكنه التنظير بعيدا عن الواقع المؤلم.
كتب الكثير عن معاناة هذه الشريحة ولا مستجيب، والمطالب التي رفعت لأصحاب القرار سواء في وزارة العمل أو المؤسسة العامة للتدريب الأهلي ليست صعبة فإلغاء الرسوم أو تخفيفها مطلب مهم، فالمؤسسة العامة للتدريب التقني بميزانياتها المليارية ليست في حاجة إلى مئات الآلاف من المعاهد، وتخفيف الشروط التعجيزية والرقابية مطلب مهم أيضا وإعادة النظر في التعامل مع المراكز والمعاهد الناجحة ومنحها دعما أو مكافأة ليس صعبا فهي لا تقدم خدمة ولا تبيع منتجا استهلاكيا، بقدر ما تقدم توعية وتأهيلا له احتياجه وانعكاسه المباشر على المجتمع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي