أيهما أشد خطرا .. جرائم الإثيوبيين أم قيادة المرأة للسيارة؟
ذكرت في مقال الأسبوع الماضي دور المواطن في عملية التصحيح التي تقوم بها وزارة العمل وبينت عدم إدراكه الخطر المحدق به وعدم وعيه بالعلاقة بين العمالة السائبة وبين الإخلال بالأمن. كما بينت تهاون المسؤول في هذه القضية خلال العقود الماضية وكيف أهمل وضع العمالة حتى أصبحت خطرا يهدد أمننا؟ فنراهم يتسللون إلى بلادنا فلا نحرك ساكنا، ونراهم يعيثون في الأرض الفساد فيروجون الرذيلة ويصنعون الخمور ويتاجرون بالسلاح في غفلة من الجهات الأمنية وبدعم من بعض المواطنين. والآن وبعد أن استشرى ضررهم وأدركنا خطرهم استيقظنا من سباتنا وأردنا إنقاذ ما يمكن إنقاذه فقامت الجهات المعنية بحملة التصحيح التي نراها الآن. ورغم تأخر تصحيح وضع العمالة كثيرا إلا أنها خطوة جيدة إلى الأمام، ولكنها لن تنجح دون دعم وتكاتف المواطن والمقيم والمسؤول وخطيب المسجد وموظفي الدولة والقطاع الخاص، وتصبح هذه هي قضيتنا الأولى ونترك تصفية حساباتنا وقذف التهم حتى نستعيد أمننا.
وبما أن مقال الأسبوع الماضي كان موجها للمواطن فإنني أخصص مقال هذا الأسبوع لأئمة المساجد، وخطباء الجُمع، ورجال الدين، والوعاظ ومن في حكمهم الذي لم نر لهم أي تحرك يخدم هذه القضية حتى حينه، بل نراهم يسلطون الضوء على موضوعات هامشية وقضايا فرعية لوكت وأشبعت نقاشا حتى أصبحنا نتقيأ من سماعها.
نرى بعضهم يتحدث عن قضية فقهية جانبية مثل المسح على الخفين ويقضي الجمعة والجمعتين في تبيان كيفية المسح على الخفين وأحكام المسح للمسافر والمقيم ويبين أدق التفاصيل وأقوال العلماء في المسح ولا أدري ما أهمية طرح موضوع المسح على الخفين في وقت تصل درجة الحرارة إلى ما يقارب الخمسين درجة مئوية. فئة أخرى من خطباء الجمع تتحدث عن أهوال يوم القيامة وعن منكر ونكير وتنسى أهوال الأيام التي يعيشها الناس هذه الأيام والخطر المحدق بنا جراء مجموعة من المجرمين أتوا على هيئة عمالة مرتزقة أصبح يخشى بأسهم، ويهاب جانبهم، ويحسب خطرهم. صنف آخر يغرد بعيدا فيعرض لنا حكم لبس البنطال ووجوب لبس المرأة العباءة على الرأس، والويل والثبور لمن تخضع بالقول. آخرون يجترون موضوعات عَفَّى عليها الزمن يستحضرونها ويضخمون خطرها ويثيرون البلبلة حولها ويوقظون الفتن النائمة. فالجرائم عن أيمانهم وعن شمائلهم والمخدرات تنخر أبناءهم وملايين من العمالة السائبة تترقب انفراط الأمن حتى تنقض فتهلك الحرث والنسل وهم ليس لهم قضية في دنياهم سوى قيادة المرأة للسيارة.
نتمنى من أئمتنا وخطباء المساجد ورجال الدين والوعاظ أن يكونوا على مستوى الحدث وأن يربطوا خطب الجُمع بمعايش وهموم الناس. فالدين والحلال والحرام وما بينهما أمور واضحة بينة حتى للأميين الذين لا يقرؤون ولا يكتبون. فالكل يعرف أركان الصلاة وتوحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات والحلال والحرام والمشتبهات ولا نحتاج إلى أحد أن يجتر على مسامعنا كل جمعة ويذكرنا بها ولكن نريد مساندتهم لنا في مظاهرات العمالة السائبة التي قد أخلت بالأمن أثمن ما نملك. يجب أن يقول خطباء المساجد وعلماء الدين قولتهم في هذا فكلمتهم مسموعة وحجتهم مقنعة فقد تربى الناس على حب الدين وأهله ومن ينتمي إليه ويلبس عباءته فنحن نحتاج إلى وقفتهم في مثل هذه الظروف فلا تستطيع الجهات المعنية ولا الأمنية أن تسيطر على هذه القضية دون تكاتف الجميع وفي مقدمتهم علماء الدين وأهل الحلال والحرام. نريد من الخطباء أن يربطوا جرائم العمالة الإثيوبية بالدين، كما ربطوا من قبل قيادة المرأة للسيارة وصنعوا منها قضية جوهرية رغم أنها قضية إدارية تنظيمية يمكن أن يتخذ قرار بشأنها بين عشية وضحاها، ولكنها أخذت القدسية عندما تم ربطها بالدين. نريد من أولئك الذين ربطوا قيادة المرأة للسيارة بالدين أن يربطوا جرائم الإثيوبيين به كذلك حتى يتماسك الناس ويروا أنهم يدافعون عن قضية دينية وهي بالفعل كذلك، لأنها تمس أمنهم فجرائم الإثيوبيين أشد خطرا على الأمة من قيادة المرأة للسيارة.
كما نريد منهم أن يركزوا على القضايا الجوهرية التي توحد الناس وتلم شتاتهم وتحمي ممتلكاتهم وتحفظ عليهم أمنهم. نريد كلمتهم في عملية التصحيح ورأيهم في مظاهرات المتخلفين الإثيوبيين في مدينة الرياض خلال الأسبوع الماضي وما صاحبها من ترهيب الناس وتحطيم السيارات وحرق الأبنية والممتلكات. نريدهم أن يبينوا للناس أن الأمر ليس مقتصرا على مجموعة من المتخلفين أتوا لطلب الرزق، بل هناك تنظيم خارجي وتعاطف دولي فها هو السفير الإثيوبي في الرياض يرفض الاعتذار للسعودية عما أحدثته العمالة الإثيوبية المخالفة لأنظمة الإقامة من قتل وتدمير، ويرى أن هذا يعد من باب الدفاع عن النفس.
وقد بينا مرارا وتكرارا أن دور الجهات المعنية في السابق لم يكن مرضيا على الإطلاق فهم المتسببون لتفشي ظاهرة المتخلفين ونعلم أيضا أن المواطن قد ساهم هو الآخر في تفاقم الأمر إلا أن هذا ليس وقت اللوم وتصفية الحسابات فالأمر يحتاج إلى تكاتف، لأنه يمس الجميع المسؤول الذي يحيط به الحرس من كل جانب، والموظف الذي يؤدي عمله في مرافق الدولة والمواطن الذي يسير في الطرقات لقضاء حاجاته والخطيب الذي يعتلي منبره كل جمعة كل هؤلاء متضررون من تنامي العمالة السائبة فلنجمع أمرنا، ولنستشعر الخطر المحدق بنا، ولنحمي مكتسباتنا ونذب عن أمننا ونطهر وطننا بعدها يمكننا أن نجلس ونصفي حساباتنا.