أمطار الشمال واقتصاديات الربيع

أنعم الله على المناطق الشمالية حائل وعرعر والجوف بأمطار كثيرة وقت ''الوسِم'' الأمر الذي ينبئ ـــ بإذن الله ــــ بربيع جاذب لمحبي البر والتنزه والمكشات من جميع مناطق المملكة خاصة أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أداة لنشر المعلومات بشكل سريع ما يجعل الشباب يتحركون بسرعة كما يحدث الآن للمناطق التي يمن الله عليها بالأمطار، حيث يقول لي أحد الأصدقاء الذين ذهبوا إلى حائل من الرياض بهدف التنزه أثناء الأجواء الممطرة في منطقة حائل، إن صحارى حائل تغص بالمتنزهين من المناطق المجاورة بل إن أحد المتنزهين جاء قادماً من تبوك عندما علم بأخبار الأمطار في حائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تنقل له الحدث بالصورة والصورة بشكل مباشر ومغر.
يقول صديقي هذا إنه في ظل انحسار العمالة الوافدة غير النظامية التي كانت تهيمن على الأسواق توقع أن الشباب السعودي سيستغلون هذه الفرص لينتشروا في البراري، حيث المتنزهين ليوفروا البضائع التي يحتاج إليها المتنزهون كالخبز والدجاج واللحوم والبيض والفواكه والمشروبات الغازية والعصائر والماء والمكسرات وغيرها، كما يوفروا خدمات الألعاب للأطفال وخدمات المكشات كالخيام والفحم وأدوات الشوي وغير ذلك، يقول ظننت أن شبابنا سيغتنمون هذه الفرصة الموسمية لتحقيق مكاسب مالية قد تمكنهم من البدء بمشروع صغير أو متوسط، ولكن وللأسف لم يحدث هذا إلا بشكل نادر جداً رغم أننا كمتنزهين في أمس الحاجة إلى ذلك.
الأمطار من المحتمل أن تتوالى على المناطق الشمالية ليكون موسماً شتوياً وربيعياً جاذباً لجميع سكان المملكة كما قد يكون موسما للفقع الذي يحبه الشعب السعودي ويستمتع بجمعه ويقبل على شرائه وبأثمان غالية، وبكل تأكيد سيتحرك الكثير من أبناء المملكة إلى مناطق الشمال للتنزه والمتعة أو لرعي الإبل والأغنام، بل كما علمت من بعض الأصدقاء أن الكثير من الخليجيين عزموا التوجه إلى هذه المناطق للاستمتاع بأجوائها بعد أن علموا بتساقط الأمطار، وبالتالي فإن شبابنا يقفون أمام فرصة استثمارية لا تتطلب رأس مال كبير بل إنها تعتمد بشكل كبير على الجهود الفردية والتعاونية ورأس مال بسيط جداً يمكن تدويره بشكل سريع.
هذه المناطق حسب علمي يعاني الكثير من أهلها العوز والحاجة لعدة أسباب منها ضعف المقومات الاقتصادية فيها الأمر الذي يجعل قوتها الشرائية الداخلية ضعيفة وهو الأمر الذي سيتم تجاوزه عندما يأتي المتنزهون من أماكن بعيدة يتمتع أهلها بدخول مالية قوية تمكنهم من الإنفاق الكبير من أجل المتعة والترفيه. ولقد سمعت بعض الأصدقاء من الرياض والقصيم يقولون لو أننا نجد سيارات دفع رباعي للإيجار هناك ووجدنا خدمات مكشات متكاملة لذهبنا بالطائرة في نهاية الأسبوع للمتعة والتنزه في هذه المناطق. وهذا فضلاً عن الكثير من الذين يحبون السفر براً بسياراتهم وهم في حاجة إلى خدمات متكاملة تمكنهم من الاستمتاع والتنزه دون منغصات.
والأسئلة المشروعة في هذه الحالة هي: من يحفز الشباب ويحركهم للاستفادة المثلى من اقتصاديات هذا الموسم؟ من يدعمهم لاستثماره بأنشطة تجارية وخدمية بسيطة تحقق لهم الأرباح وتؤصل في أنفسهم ثقافة الاستثمار والعمل الحر؟ من يرشدهم للفرص الاستثمارية المتاحة في مثل هذه المواسم؟ من يؤسس لحاضنات استثمارية مؤقتة للشباب والنساء للاستفادة من فرص هذا الموسم العابر؟ من يستثمر مثل هذه المواسم لحث الشباب على الاستفادة منها بأعمال تجارية وخدمية بسيطة لكي تكون انطلاقة لهم في مجال الأعمال التجارية والخدمية.
أعتقد أن أمانات المناطق والبلديات في تلك المناطق والمحافظات والمراكز يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في تهيئة المواقع للشباب السعودي بشكل موسمي للاستثمار في خدمة المتنزهين على أسس سليمة وصحية، ويمكن أن يكون ذلك مع صندوق المئوية على سبيل المثال أو بالتعاون مع مجموعات تطوعية، حيث يمكن تقسيم الأنشطة الموسمية وتهيئة مواقع استثمارية في أكثر من منطقة يرتادها المتنزهون، ودعوة الشباب للاستثمار فيها مجاناً، والإعلان عن هذه المواقع من خلال الوسائل الإعلامية المتاحة في المنطقة، وتكوين مرشدين لإرشاد الشباب عن كيفية الاستثمار في هذه المواقع، وكيفية تطبيق الشروط للوصول إلى أفضل استفادة ممكنة، خصوصاً أن نطاق المنتجات والخدمات التي يحتاج إليها المتنزهون عريضة وواسعة.
أعتقد أن الهيئة العامة للسياحة يمكن أن تسهم بشكل كبير في تحفيز الشباب للاستفادة المثلى من الفرص الاستثمارية المتوافرة في موسم الأمطار والشتاء والربيع، وأعتقد أنه بإمكانها أن تؤسس لتجمعات سياحية في البراري مصحوبة بأنشطة سياحية جاذبة فيها بما يقدم فرصا استثمارية مجزية للشباب السعودي، خصوصاً أن الهيئة لديها خبرات ومعرفة بتجارب عالمية في الأنشطة الاقتصادية المناسبة للشباب في مثل هذه المواسم.
أيضاً أجزم بأن الشباب من جميع أنحاء المملكة يمكن أن يستفيدوا من هذه الفرص الاستثمارية الموسمية، حيث يمكن أن يأتوا ببضائع مميزة من مناطقهم ويمكنهم أن يشاركوا في أي نشاط سياحي ترفيهي بالتفاهم مع هيئة السياحة أو الإمارة أو الأمانة في إطار نشاطات سياحية جاذبة.
أذكر أن مواطنا كبيرا في السن من البادية قال لي إنه ينتظر مواسم الأمطار وما يترتب عليها من أجواء جميلة وحركة سياحية ووجود الفقع ومبيعاته ليحقق مكاسب كبيرة وقد حققها أكثر من مرة، حيث استطاع في أحد هذه المواسم أن يشتري سيارة للعائلة، كما استطاع في موسم آخر أن يزوج أحد أبنائه، وقصص استثمار مثل هذه المواسم كثيرة إلا أنها نادرة في المجمل، حيث كان الوافدون أقدر على استثمارها، ولكن الظرف الآن مهيأة أكثر للمواطنين للاستثمار دون منافسة كبيرة.
ختاماً أتطلع إلى أن تتعاضد الهيئة العامة للسياحة والآثار مع أمانات المناطق التي شهدت وتشهد أمطارًا غزيرة تنبئ بموسم سياحي بري جاذب لتهيئة الظروف للشباب وتحفيزهم للاستثمار في الأنشطة والخدمات البرية الموسمية، كما أدعو الشباب لاغتنام هذه الفرص لعلهم يحسنوا أوضاعهم المالية وينطلقوا من هذه المواسم للاستمرار في الأنشطة الاقتصادية المربحة والمفيدة لهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي