«الحملات» في ثقافتنا العربية
تُصر مجتمعاتنا العربية على استخدام ''الحملات'' لإيصال معلومة ما أو فرض نظام ما.. ومن كثرة الحملات أصابنا منها الملل، وحمَّلتنا ما لا نطيق، أستطيع أن أسمي الثقافة العربية.. ''ثقافة الحملات''. وكأني بالقارئ ''أو القارئة'' يسابقني لطرح عدد من التساؤلات: ما سبب شيوع ثقافة ''الحملات'' في ثقافتنا العربية؟ هل تعاني عقولنا صعوبة الاستيعاب إلا من خلال الإعلان عن ''حملات'' تُنظم على مستوى المجتمع؟ وهل نحن لا نعرف أن نقرأ الأنظمة والتعليمات دون أن تقوم ''الحملات'' بتلقيننا الجائز والممنوع، أو الصحي والضار بالصحة؟! أم أننا لا نكترث بالأنظمة إلا عندما تقوم الحملات بإرشادنا إلى تفاصيل الأنظمة والقوانين؟! أم أننا ''أمنا العقاب فأسأنا الأدب'' مع مجتمعنا ووطننا؟!
هناك أنماط وأنواع من ''الحملات'' التي تُنظم من وقت إلى آخر، مثل: حملة ''ترشيد الطاقة''، وحملة ترشيد ''المياه''، وحملة ''نظافة البيئة''، وحملة ''المرور''، وحملة ''أسبوع المرور الخليجي''، وحملة ''تحصين الأطفال''، وحملة ''تفتيش المطاعم''، وحملة ''مراقبة تسرب المياه من المنازل''، وحملة ''السكري''، وحملة ''التوعية بسرطان الثدي''، وحملة ''حياتي وردية للكشف المبكر عن السرطان''، وحملة ''مكافحة التدخين''، وحملة ''الانتخابات البلدية''، وحملة ''العمالة غير النظامية''، وحملة ''26 أكتوبر لرفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة''، وحملة ''تعدد الزواجات في 26 أكتوبر''، وحملة ''الفضيلة''، وحملة ''الأيادي البيضاء''، وحملة ''تنظيف المسجد النبوي''، وحملة ''بلدي''، وحملة ''التوعية بأضرار القات في جامعة جازان''، وحملة ''الظل''، وحملة ''مكافحة البلهارسيا''، ناهيك عن حملات الحج والعمرة وغيرها كثير!
وعلى مستوى السياسة، هناك حملة ''تجهيز المجاهدين''، وحملة ''أنصار الشام''، وحملة ''إنهاء المظاهر المسلحة في اليمن''، وحملات ''مقاطعة إسرائيل'' تجارياً وثقافياً وأكاديمياً، وحملة ''مقاطعة أفلام ومسلسلات رمضان''، وحملة ''عون مسلمي إفريقيا''، وحملة ''تسلم الأيادي'' لترشيح الفريق أول عبد الفتاح السيسي رئيسا للجمهورية، وحملة ''إغاثة الصومال''، وحملة ''مقاطعة mbc''، وفي الرياضة، هناك حملة ''عودة عنتر للمنتخب اللبناني''، آه.. آه.. كأني بالقارئ يقول: كفى .. كفى!
أعتقد أن هناك مبالغة في استخدام الحملات، فمن المنطقي استخدام مفهوم الحملات عندما يكون الهدف التعريف بمبادرة ''نوعية'' كتحفيز الناس لدعم مبادرة ''إبداعية'' تعود على المجتمع بالفائدة. ولكن استخدام منهجية ''الحملات'' في كل مجال ولكل قضية ــــ كما هو مشاهد في الوقت الحاضر ــــ يحمل دلالة على وجود خلل في تطبيق الأنظمة، وتقصير من قبل الأجهزة المسؤولة في تطبيقها، أو التعريف بها. باختصار فإن الأجهزة الصحية والأمنية والاجتماعية لا تقوم بواجباتها ولا توفر المعلومة أو النصيحة عندما يحتاج إليها المواطن خصوصاً، أو المستفيد عموماً، مما يجعل الجهات العليا لا تجد سبيلاً لتوعية الناس وتنشيط اهتمامهم وحثهم على الامتثال للأنظمة المرورية والأمنية والصحية، إلا من خلال ''الحملات''.
بوضوح شديد ودون ''مواربة'' أقول إن استخدام منهج ''الحملات'' هو علامة ''إخفاق'' في توضيح التعليمات والأنظمة، وفشل في تطبيقها، أو تقصير في توفير الخدمات الضرورية على مدار اليوم والسنة! فالكشف عن التستر لا ينبغي أن يكون من خلال ''حملة''، ولكن من خلال تطبيق دائم وجاد للأنظمة في كل وقت، والتأكد من امتثال المطاعم للأنظمة العمالية والصحية ينبغي أن يكون على مدار الساعة، والمعلومات عن تحصينات الأطفال ينبغي أن تكون متوافرة على موقع وزارة الصحة مع وجود رقم مجاني للاستفسار عن أي معلومة ضرورية. إلى جانب ذلك ينبغي تفعيل دور حماية المستهلك لحمايته من جور المحال التجارية وظلم الشركات والمؤسسات الخاصة! استخدام مفهوم ''الحملات'' لفرض تطبيق أنظمة معينة يُحدث بعض الفوضى التي نحن في غنى عنها أو قد يُسيء إلى سمعة المؤسسات أو المجتمع!