أين المواطنون من حملة التصحيح؟

أكدت وزارة العمل أنها لن تنظر في أي طلب استثناء من حملات التفتيش من أي جهة كانت، إذ إن أعمال التصحيح مستمرة، وبإمكان الراغبين تصحيح أوضاعهم عبر الخدمات الإلكترونية أو مكاتب العمل، وعليهم تحمل تبعات التأخير من حيث الغرامات والعقوبات. كما لفتت الوزارة إلى أن لافتة (المحل مغلق) لا تعفي صاحب العمل من المساءلة أو البحث، إذ ستتكرر عمليات التفتيش على ذات النطاق المكاني أكثر من مرة، مشددةً على أنه لا تهاون في سبيل إيجاد بيئة آمنة ومنظمة لسوق العمل.
ونحن نشد على يد وزارة العمل وسنتعاون كمواطنين وكمقيمين نظاميين على تخليص وتنظيف بلادنا مما علق بها عبر عشرات السنين من العمالة السائبة التي تصول وتجول في أطوال البلاد وعرضها دون رقيب والتي اشتركنا جميعنا - مواطن ومسؤول - في وجودها ونموها وتقويتها وتسترنا عليها دون وعي أو إدراك بخطرها.
ولا نريد أن نتحدث عن خطر العمالة السائبة على مجتمعنا واقتصادنا؛ فقد أشبعنا هذا الموضوع كتابة وبحثا وتعليقا؛ فوقت الحديث ولى وبدأ وقت التنفيذ فنريد أن نتكاتف مع وزارة العمل ووزارة الداخلية في تطهير البلاد من هؤلاء الذين عاثوا في الأرض الفساد؛ فإن لم يتكاتف المواطنون ويؤمنوا بأهمية التصحيح فإن الجهات المعنية ستعاني الكثير.
وهناك عدة آليات أراها مهمة لإنجاح المهمة منها، وفي مقدمتها أن على الجهات المعنية ألا تعود إلى الوراء وترضخ للضغط من أي جهة داخلية أو خارجية مهما كلف الأمر. بلادنا حرة تتخذ من السياسات والإجراءات ما يناسب مصلحتها وأمنها ومواطنيها؛ لذا علينا ألا نقبل الابتزاز، فكل شيء يمكن التفاوض حوله إلا أمن الوطن، والعمالة السائبة أكثر ما يضر بأمن الوطن والمواطن. كما يجب عدم استثناء أي جنسية من موجة التصحيح هذه مهما كان وفاؤها أو مساهمتها في بناء نهضتنا؛ فلو تم استثناء جنسية بعينها أو طائفة بذاتها لأي سبب فستفشل حملة التصحيح ولن تقوم لها قائمة. وكذلك عدم استثناء أي جهة حكومية أو خاصة أو مسؤول أو فرد ولتبدأ وزارة العمل ووزارة الداخلية بتطبيق حملة التصحيح على منسوبيها والمؤسسات التابعة لها؛ فليس من الحكمة أن تنأى بالتصحيح وتغفل عمن هم تحت لوائها.
في الوقت نفسه على الجهات المعنية تسهيل مهمة الحصول على العمالة النظامية للمواطنين وإعفاء بعض شرائح المجتمع من تكاليف الاستقدام كالعجزة والمعوقين والمحتاجين حتى لا تضطرهم الحاجة إلى إخفاء عمالة سائبة قد تعيق موجة التصحيح وتطيل أمدها. كما يجب أن تعرف الجهات المعنية أن كثيرا من شرائح المجتمع السعودي اعتادت على توظيف العمالة السائبة والاستعانة بهم في أمورهم وإدارة منازلهم وتربية أبنائهم حتى حل بهم الكسل ونخرهم الوهن والاتكالية بطريقة لم نر لها مثيلا في كثير من الشعوب ونحن نرى التقارير الدولية كيف تصنف الشعب السعودي وتضعه من أكسل شعوب الأرض.
وأهم نقطة في إنجاح المهمة هي تعاون المواطن فلن تنجح أي حملة تمس الأمن ما لم يشترك ويقتنع المواطن بجدواها ويستفيد فائدة مباشرة منها؛ لذا على وزارة العمل ووزارة الداخلية أن ينظرا إلى المواطن على أنه شريك في حملة التصحيح ويمكن توظيف الحوافز المعنوية والمادية والتشجيعية حتى تكسب المواطن في صفها.
وهنا أريد أن أتوقف وأقول للمواطن إن عليك أن تتخلص من الأنانية ولتعلم أن المستفيد الأول من حملة التصحيح هو أنت؛ فلا تنظر بمنظار ضيق ولا تتهاون في إيواء العمالة السائبة؛ كي تقوم ببعض الأعمال الهامشية على حساب الأمن، ليس أمن الوطن فحسب بل أمنك أنت كفرد. عليك أن تستشعر الخطر المحدق بك وأن تعلم أن العمالة السائبة التي تتستر عليها ما هي إلا قنابل موقوتة قد تثور في أي وقت فتهلك الحرث والنسل وتهدم البناء وتسفك الدماء. ألا تعلم أيها المواطن أن كثيرا من الدول تبني اقتصادها على فساد مجتمعنا وممارسة الجريمة والرذيلة في بلادنا؟ فكلما زادت الجريمة في بلادنا صاحبها زيادة في اقتصاد دولة بعينها، والأمر ليس مقتصرا على أفراد أتوا بلادنا يرتزقون فوراءهم دول ومنظمات تحميهم وتسهل مهمة تهريبهم وتجني من ورائهم ما يدعم ميزانها التجاري.
الأمر جد خطير ولن يدفع الثمن لو تقوت شكيمتها وزادت هيبتها سوى أنت وما جرائم العمالة الإثيوبية قبل سنة تقريبا إلا مثالا ظاهرا لم ينقش من مخيلتنا بعد. فدمروا وخربوا وقتلوا حتى أصبحنا نخشى أن نخرج من دورنا ونقضي أبسط حاجياتنا بل وصل ببعض المواطنين في بعض المناطق أنهم يقيمون الصلاة في بيوتهم فلم يعودوا يأمنون على أنفسهم في أداء شعائرهم في المساجد. وعندما حمى الوطيس وشعرنا فعلا بخطرهم ورأيناه رأي العين ألقينا بالتهمة على الجهات الأمنية وعلى سلاح الحدود رغم أنك أنت أيها (المواطن) أحد الأسباب الجوهرية لوجودها وقوتها ورواجها واستفحال خطرها. فمنا من يطعمهم في بطون الأودية، ومنا من يتفقدهم في قمم الجبال، ومنا من يرشدهم إذا ضلوا الطريق، ومنا من يتوه الجهات الأمنية إذا تتبعت أثرهم، ومنا من يوزع عليهم الملابس الشتوية حتى تقيهم بأسهم بحجة العطف عليهم تارة وبحجة تكاليف الاستقدام تارة أخرى.
لقد أتت الفرص للتخلص منهم على طبق من ذهب فلنتكاتف ولنتعاون قبل أن ندفع الثمن مضاعفا ليس فقط المواطنون بل أيضا المقيمون النظاميون؛ فهم ليسوا بمعزل عن كل ما يدور. إنه الأمن الذي امتن الله به على عباده والذي لا تعادله نعمة على وجه الأرض؛ فإن نظرنا إلى الأمر من هذه الزاوية فسنترك الأنانية ونشحذ الهمة ونعلم ما يضرنا وما ينفعنا.. حمى الله بلادنا من العابثين المفسدين ووفق القائمين على حفظ أمننا وأعاد المواطنين إلى صوابهم وألهمهم رشدهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي