رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لا جدوى من التنبؤ بمستقبل الأسعار

تستطيع أن تتنبأ بأي شيء إلا بمستقبل الأسعار النفطية. فقد برهن الزمن على أنه من النادر أن سعر البرميل كان قد جاء متفقًا مع ما كان متوقعًا قبل بضع سنوات. وما بالك إذا كنا نتحدث عن المدى البعيد الذي يزيد على عشر سنوات أو أكثر. فعلى الرغم من أن أسعار النفط الخام والمشتقات النفطية تخضع لنظرية العرض والطلب، إلا أن عوامل أخرى تلعب دورًا مهما في تغيير مسار الأسعار صعودًا أو هبوطًا. ومما يثير الدهشة والاستغراب أن المؤسسات الدولية التي تُعنى بشؤون مصادر الطاقة لا تزال تمارس هوايتها في التنبؤ بأسعار برميل النفط بعد عشرات السنين، رغم فشل كل التنبؤات السابقة. فخلال العقود العشرة الماضية لم يكد يتأكد حدوث رأي واحد ثبتت صحته ولا رؤية واحدة فيما يتعلق بالأسعار كانت قد تحققت كما أريد لها أن تكون. ومعظم التنبؤات التي تتحدث عن أسعار المستقبل تكون مبنية على معلومات وتقديرات غير واقعية، وخصوصًا فيما يتعلق بمستقبل الإنتاج النفطي خلال العقود القادمة. وهذا يتطلب وجود معلومات موثقة وصحيحة عن الإمكانات الإنتاجية المتوافرة لدى المنتِجين، وهذا شبه مُغيَّب بسبب عدم توافر الشفافية المطلوبة. ولا نعلم ما هي الحكمة من إخفاء الحقائق والأرقام الصحيحة حتى عن الشعوب التي يتعلق الموضوع بمستقبلها وحدها. ونحن، في هذا المقام، نشير إلى كميات الاحتياطيات النفطية في الدول التي يعتمد اقتصادها إلى درجة كبيرة على المداخيل النفطية. فالأرقام المُعلنة للاحتياطي النفطي في تلك الدول، ومن ضمنها دول الخليج العربي، يبدو عليها التضخيم والمبالغة في حجمها مما يعطي تصورًا خاطئا بأنها ستدوم مدة أطول من عمرها الحقيقي. وهذا يسبب ضررًا بالغًا لمستقبل الشعوب التي تعتمد اعتمادًا كليًّا على المداخيل النفطية، وللشعوب الخليجية على وجه الخصوص. ومن المؤسف أن أغلب الدراسات والبحوث العلمية العالمية التي تُعنى بمستقبل الإنتاج طويل المدى تستخدم الأرقام المعلنة على عِلاتها. ومنها تفترض استمرارية الإنتاج لعقود قادمة عند مستويات مرتفعة، وهو خلاف الواقع. ولو عَلِم المسؤولون عن تلك المؤسسات المتخصصة بشؤون مستقبل الطاقة والمصادر النفطية أن ما تبقي من احتياطي النفط التقليدي هو أقل بنسبة كبيرة عن الأرقام المنشورة لتغيرات نتائج دراساتهم واستنتاجاتهم. فالأمور ليست كما يتصورون ولا كما يصورونها للمجتمع الدولي، خصوصًا أن الاكتشافات الإضافية الجديدة، إذا ما وُجدَت، تكون في الغالب في وسط البحار العميقة والمواقع النائية التي يكون إنتاجها مُكلِّفًا للغاية، وربما تُصنَّف ضمن النفوط غير التقليدية. وهذا يشمل أيضا ما يطلق عليه النفط الصخري الذي تصل تكلفة إنتاجه إلى 80 دولارا للبرميل. وعلى الرغم من كل ما تنقله وسائل الإعلام عن النفط الصخري، فإنه، كما يطلقون عليه، ظاهرة أمريكية. ومن المستبعَد جدا أن يكون إنتاجه في دول أخرى مجديًا اقتصاديًّا عند مستوى الأسعار الحالية، التي تزيد قليلاً على 100 دولار للبرميل. أما في أمريكا نفسها، وهي تنتِج اليوم من النفط الصخري ما يقارب مليون و500 ألف برميل، فليس هناك ما يمنع من زيادة كمية الإنتاج إذا توافر المزيد من الاستثمارات المالية. وكلما ارتفع سعر برميل النفط تحسنت فرص الاستثمار في الصخري وارتفع مستوى الإنتاج هناك حتى يبلغ الذروة بعد سنوات قليلة. ومع ذلك فلا يزال التوسع في إنتاج النفط الصخري في أمريكا، وفي الدول الأخرى في المستقبل، مرهونا بزوال أو تخفيف الضغوط التي يمارسها المهتمون بشؤون تلوث البيئة، وهي هيئات محلية تمتلك قوة مؤثرة هدفها الرئيس حماية البيئة من مضار التلوث. وإنتاج النفط الصخري أقرب إلى رفع الأسعار منه إلى خفضها. إذ من المتوقع أن ترتفع تكلفة إنتاجه في أمريكا بسبب نضوب القسم الأفضل من الطبقات المنتِجَة.
ونعود إلى موضوعنا حول إمكانية التنبؤ بالأسعار. فمن شبه المستحيل أن تستطيع أي جهة مهما أوتيت من العلم والخبرة تحديد مستوى الأسعار المستقبلية بعد عقد من الزمن، ناهيك عن عدة عقود، وهو أقرب إلى العبث منه إلى البحث عن الحقيقة. ولكن من الممكن التنبؤ باتجاه الأسعار دون تحديد المستوى، كأن نقول إن هناك احتمالاً كبيرًا بأن الأسعار ستظل في حالة صعود. وفي الغالب أنها ستكون كذلك، نظرًا لاستمرارية نضوب الموارد النفطية التقليدية وتوقع ارتفاع نسبة نمو الطلب العالمي على مصادر الطاقة بأنواعها. هذا، في الوقت الذي نشاهد فيه تراخي المجتمع الدولي نحو الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة التي أصبحت من النواحي الاقتصادية في متناول الجميع. وربما أن سبب العائق هو ما تحويه مصادر الدراسات والبحوث من تطمين غير مبرَّر بأن لا خوف من شح في الإمدادات النفطية خلال العقود المقبلة، على الرغم من نضوب الكثير من المصادر النفطية التقليدية في عدة دول كانت مصدرة للنفط وأخيرًا تحولت إلى قائمة المستوردين.
في عام، 2000 تنبأت وكالة الطاقة الدولية، ذات الشهرة العالمية، بأن الأسعار في عام 2010 ستكون في حدود 28.25 دولار للبرميل. بينما معدل السعر الحقيقي في 2010 كان 79.61، بون شاسع بين الرقمين، مما يدل على أن الأساس الذي يبنون عليه دراساتهم واستنتاجاتهم يحتاج إلى الكثير من المراجعة والتأكد من صحتها. وفي أواخر العام الماضي تنبأت الوكالة بأن أسعار النفط سوف تنخفض من 107 دولارات في عام 2012 إلى 89 دولارا في عام 2017. والمستقبل هو في علم الغيب، ولكننا نتوقع أن تكون الأسعار حينئذٍ عند مستوى أعلى وليس أقل من الوضع الحالي، في حال عدم حدوث زلازل اقتصادية كالذي حصل في عام 2008. ولا نعلم كيف تغفل الوكالة عن كون دول مثل السعودية والكويت والإمارات وقطر تنتج اليوم أكثر مما هي بحاجة إليه. وأنها لن تسمح بهبوط الأسعار إذا كان الأمر لا يتطلب أكثر من تخفيض الإنتاج إلى مستويات تفي بمتطلبات ميزانياتها. ولذلك نرى أن عدم تحديد الأسعار المستقبلية الذي ليس له معنى، أفضل من كتابة أرقام لا قيمة لها. والحديث ينطبق إلى حدِّ ما على التنبؤ بمستقبل كميات الإنتاج بعد عشرات السنين. وكذلك هي الحال مع معظم المؤسسات الأخرى التي تُصدِر من وقت إلى آخر تقارير ودراسات عن مستقبل الإنتاج والأسعار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي