رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


وأخيراً .. اكتشف داء «التحرش» .. أيها القوم

حزنت كثيراً لتركيز الصحافة على حادثة التحرش في المنطقة الشرقية وفرحت في الوقت نفسه! حزنت لأنها بطبيعتها محزنة ومؤلمة، ولأن المجتمع يحتاج إلى حدوث حادثة مؤلمة أو كارثة كبيرة، لينتبه إلى وجود ظاهرة ''التحرش'' ويشعر بقبحها. لقد تفاعل كثير من الكتاب والإعلاميين وتعاطفوا مع ضحاياها، وهذا جميل! ولكنهم أشعروني أنا وغيري وكأنهم لا يعيشون في هذا المجتمع ولم يروا ممارسات ''التحرش'' بأمهات أعينهم، وهو يحدث في كل مكان، بدءاً بمقرات العمل المخبأة عن أعين المراقبة، تلك التي تعج بالابتزاز والتحرش الممقوت، وكذلك في الأسواق على مرأى ومسمع الناس، وكذلك في الطريق للمدارس، وهل هناك حالة تحرش أقوى وأقبح من تلك التي تفضي إلى جريمة اختطاف فتاة في طريقها للمدرسة ثم قتلها قبل أسابيع في شرق مدينة الرياض؟!
في الجانب الآخر فرحت بالتركيز الإعلامي، خاصة من قبل كتاب الأعمدة من منطلق ''لعل وعسى'' أن ينفع هذا التركيز ويؤدي إلى صحوة الجهات النائمة لخطورة الوضع ومعاناة المرأة في هذا المجتمع الإسلامي. أعود لمقالاتي السابقة وأقتبس ''لا تستطيع المرأة أن تمشي لجارتها'' في أحيائنا السكنية.. دون أن تعاني الخوف والقلق من تحرش الشباب! والتحرش فنون وأنواع.. فهناك فئة من الشباب يجوبون الشوارع ويتحرشون بالنساء في الأسواق، ويطاردون سياراتهن إلى درجة الاحتكاك بالسيارة أو الاصطدام بها دون خجل من المارة، ودون خوف من سلطة النظام، وكأنهم ''معصومون'' من العقوبة أو عديمو الإحساس بعواقب سوأتهم!
تزايد التحرش وتبلدت مشاعر بعض الناس بشأنه، لدرجة عدم إنكاره والاكتفاء بالمشاهدة والتصوير دون تدخل إيجابي لإنقاذ الضحية، كما حدث في حادثة التحرش في الشرقية قبل أيام! من المسؤول عن أزمة القيم والوصول إلى هذا الوضع المتسيب؟! هل هي الأسرة أم المجتمع بمؤسساته الأمنية والدينية والاجتماعية؟
الأسرة ـــ بلا شك ـــ تتحمل جزءاً من المسؤولة. قصة حقيقية.. سأرويها مثالاً كافياً للخلل في القيم داخل بعض الأسر: تحكي إلي إحدى السيدات أنها كانت في أحد المطاعم مع أخواتها وكانت تجاورها في المكان بالمطعم أسرة أخرى تتكون من أب وأم في الخمسينيات وابن في بداية العشرينيات وبنت لا يتجاوز عمرها عشر سنوات. وبعد الانتهاء من طعام الغداء خرجت الأسرة وبقيت صاحبتنا مع أسرتها في المطعم. وبعد مرور دقائق محدودة عادت البنت ذات السنوات العشر تحمل ''وريقة'' صغيرة أرسلها معها أخوها العشريني، طالباً تسليمها للسيدة التي لا تزال على طاولة الطعام مع أخواتها! وحيال ذلك.. أقول إن هذا السلوك في منتهى الوقاحة والانحطاط. فلا هو يخشى من أبيه وأمه، ولا يخجل من أخته الصغيرة، أو يخاف عليها من الإصابة باختلال القيم والانحراف المبكر! هذا النوع من التربية هو ما شجع التحرش و''شرعنه'' شعبياً.
من جانب آخر، يتحمل المجتمع بمؤسساته الضبطية دينية وأمنية الجزء الأكبر من المسؤولية، فالمدرسة غارقة في التلقين دون الاهتمام بغرس القيم النبيلة، والمسجد غارق بتكرار الوعظ عن كيفية الصلاة ومبطلات الوضوء دون اهتمام كاف برفع مستوى الأخلاق وتهذيب أصول التعامل بين الناس، والمؤسسات الأمنية ليس لديها استراتيجية واضحة أو خطة ''فاعلة'' لتتبع المتحرشين والإطاحة بهم، أو عقوبة رادعة لمرتكبي هذه ''الجريمة''، ولا تُظهر الحزم المناسب للحد من تفشي هذا المرض الاجتماعي!
أختتم بالمثل الشائع ''من أمن العقوبة أساء الأدب''، فلا بد من تعزيز القيم النبيلة في نفوس الشباب، ولا بد من وجود القانون والأنظمة الرادعة، وتطبيقها على الصغير والكبير على حد سواء.. ودمتم بعيداً عن كل مكروه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي