هل بدأت رحلة البحث عن الموظف السعودي؟
قبل أربعة أعوام تقريبا قال عملاق الإدارة الراحل والوزير المخضرم غازي القصيبي ـــ رحمه الله ـــ إنه سيأتي اليوم الذين سيكون فيه الموظف السعودي عملة ثمينة تتسابق على توظيفه مؤسسات وشركات القطاع الخاص ''وأن الأمر لا يتطلب على حد قوله'' سوى مزيد من الصبر وتغيير بعض العادات الاجتماعية، والاهتمام بالتدريب والتأهيل، وأثار تصريح المرحوم ''القصيبي'' آنذاك مزيدا من السخط والسخرية، مثلما قوبلت كثير من قراراته بالرفض والتهكم وقتها.
وكم تمنيت أن أقرأ عن تجربته ـــ رحمه الله ـــ في وزارة العمل، فأظنها لا تقل أهمية عما دونه في كتابه الشهير ''حياة في الإدارة''، لكني أصبت بالإحباط حينما أخبرنا ابنه سهيل القصيبي أن أباه لم يكتب شيئا حول ذلك، لكن الأيام أثبتت أن الرجل ـــ رحمه الله ـــ كان يعني ما يقول ولم يطلق ذلك التصريح جزافا أو من أجل تهدئة النفوس ومداعبة أحلام العاطلين والعاطلات، سوق العمل خلال الفترة الماضية شهدت قرارين مهمين الأول حصر جميع المنشآت وتحديد نسب السعودة بها من خلال تطبيق المرحلة الأولى من برنامج ''نطاقات''. والثاني الحملة التصحيحية للعمالة المخالفة وكلاهما أحدثا حزمة من المتغيرات لا تخفى على أحد وطالت جميع المنشآت.
فخلال الشهر الماضي ترك أحد الزملاء لدينا موقعه الوظيفي في المؤسسة التي أعمل فيها لظروف تخصه، بدأنا الإعلان عن شخص مؤهل لشغل مكانه فجأة لم يتقدم سوى أربعة أشخاص لم تنطبق عليهم الشروط، أعدنا الإعلان مرة أخرى كان هناك شخصان لا تنطبق عليهما الشروط.
عدنا إلى قاعدة البيانات القديمة لفحص مجموعة من السير الذاتية الموجودة اتصلنا بأكثر من 27 شخصا كان الجميع يشغل وظائف حكومية أو في مؤسسات قطاع خاص، عدت مرة أخرى للاستعانة بزميلنا المدون النشط وصاحب حساب توظيف السعودية ''مرتضى اليوسف'' ليبث إعلانا إضافيا لقائمة لديه تتجاوز 70 ألف مشترك ليكون الاختيار النهائي من بين بضعة متقدمين شاب متخرج حديثا يحتاج إلى قرابة شهرين من التدريب ليكون ملما بمهارات الوظيفة الشاغرة، كل هذه الرحلة المضنية في البحث والاختيار والتدريب، إلا أنني كنت سعيدا في داخلي وأنا أتساءل هل بدأت رحلة البحث عن موظف سعودي فعلا؟
الأمر نفسه تكرر بشكل يومي خلال الأسابيع الماضية من زملاء في مؤسسات أخرى يبحثون بجدية وبشكل عاجل عن موظفين سعوديين لشغل وظائف لديهم والتعيين فوري. لم أستطع أن أساعدهم لأني أواجه المشكلة نفسها واللافت للنظر تغيرت لغة الإعلانات، وبنود المميزات، بشكل أفضل من السابق، بل إن بعض العراقيل التي كانت تشترط سابقا لتوظيف السعودي بدأت في الاختفاء تدريجيا، مثل رواتب 1500 ريال، والحرمان من التأمينات الاجتماعية، والعمل على فترتين، والعمل خلال الإجازات، دون مستحقات وكان الدافع الأول تعديل وضع هذه المؤسسة في برنامج نطاقات ورفع نسبة ''السعودة'' لتتمكن من تصحيح وضعها بشكل عام، ومن خلال متابعة مستمرة ومعرفة لصيقة بسوق العمل السعودي ودون مبالغة أصبح الموظف السعودي مطلوبا، وهو في طريقه لأن يصبح عملة ثمينة بشرط أن تستمر قرارات التصحيح بكل جدية وحزم دون استثناءات، وربما قريبا تتحقق مقولة العملاق ''القصيبي'' على أرض الواقع، وفي أقل من عامين على رحيله.
وحتى لا يساء فهم حديثي؛ فمشكلة البطالة لم تنتهِ لكن بوادر الحلول قد بدأت من خلال البحث عن الموظف السعودي بعكس السابق حين كان مجرد رقم لا أحد يرغب في وجوده، وهي بدايات مبشرة بالخير متزامنة مع بدايات التطبيق الفعلي لبرنامج ''نطاقات'' والحملة التصحيحية للعمالة المخالفة.
وزير العمل ما زال صامدا كما طلب منه زميلنا رئيس التحرير في مقال سابق, وأصحاب المصالح الخاصة لن يتوقفوا عن الشكوى والهجوم بكل تأكيد لكن الدعم الحكومي والتفاعل الاجتماعي الواضح يشكلان نقطة دعم كبيرة لوزارة العمل للمضي بكل قوة في طريق القضاء على البطالة، وهو طريق طويل جدا ومليء بالمصاعب، لكن المهم أن الرحلة انطلقت وتجربة التطبيق الأولى مشجعة جدا.