التمويل المصغر عن طريق الإنترنت
تجربة التمويل المصغر التي دفع بشهرتها عالمياً محمد يونس، الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2006، وجدت طريقة تنظيمية لها من خلال الإنترنت. يوجد هناك عدة جهات تقوم بتمويل الأفراد والمنشآت الصغيرة حول العالم بالاستفادة من ميزة الإنترنت في التواصل مع أكبر عدد من الممولين وميزة الإنترنت في خدمات الدفع الإلكتروني. أحد أكبر هذه الجهات غير الهادفة للربح هي مؤسسة كيفا، الكلمة التي تعني باللغة السواحيلية تعاضد، التي قدمت حتى الآن قروضا بنحو 500 مليار دولار، من قبل أكثر من مليون ممول، وبنسبة سداد تجاوزت 99 في المائة. هل يمكننا الاستفادة من هذه التجربة في المملكة كوسيلة لتمويل الأفراد والمشاريع الصغيرة؟
قبل استعراض طريقة عمل مؤسسة كيفا، أشير إلى أن نوعية الشرائح المستهدفة من قبل هذه المؤسسة قد لا تناسب بالضرورة الحالة السعودية، ولكن الهدف هو الاستفادة من الطريقة المتبعة في ربط الممولين بالمقترضين وتوظيف الإنترنت في استقطاب جميع الناس لدعم نشاط التمويل للفئات المحتاجة.
تتعامل مؤسسة كيفا مع عدد كبير من الشركاء الميدانيين، وهم عبارة عن منظمات خيرية ومؤسسات تمويل مصغر يبلغ عددهم حالياً نحو 227 شريكا في 73 دولة، منهم شركاء في بعض الدول العربية كالأردن ولبنان واليمن وفلسطين. يتمثل دور الشريك الميداني بالبحث عن المقترض الذي تنطبق عليه شروط التمويل من حيث طبيعة عمله ومدى حاجته إلى التمويل وقدرته على السداد، ومن ثم يقوم الشريك بأخذ معلومات طالب القرض وموافقته على استخدام اسمه وصورته في موقع كيفا. فتجد أن على موقع كيفا هناك معلومات عن عدد كبير من طالبي القروض، تشمل نبذة عن الشخص ودواعي القرض، ومقدار القرض المطلوب ونسبة تغطية المبلغ المطلوب حتى تاريخه. أما الممولون أنفسهم فهم أناس عاديون لديهم الرغبة في مساعدة الآخرين بطريقة مهنية، لا كصدقة أو هبة، بل كقرض تجاري ولكن دون فائدة مالية، فيقومون باستخدام وسيلة الدفع الإلكتروني ''بي بال'' لإقراض الشخص مبالغ تراوح ما بين 25 دولاراً و 50 ألف دولار.
بعد أن يتم تجميع المبلغ المطلوب، تقوم ''كيفا'' بإرساله إلى الشريك الميداني الذي يتولى بدوره إيصال المبلغ للمقترض، ويقوم بعد ذلك بمتابعة أداء الشخص وانتظامه في السداد، ويقوم بتزويد ''كيفا'' بذلك. وعندما تتسلم ''كيفا'' الأقساط من المقترضين تقوم بإيداعها في حساب الممولين، الذين قد يسحبونها أو يعيدون إقراضها لشخص آخر.
أكثر المقترضين عن طريق ''كيفا'' هم أفراد من دول مثل بيرو أو كينيا أو أذربيجان أو كولومبيا أو الأردن ممن يحتاج إلى بعض المال لشراء حراثة صغيرة لمزرعته، أو شخص آخر يحتاج إلى جهاز آلي يعينه في مصنعه الشخصي أو امرأة بحاجة إلى بعض المال للتوسع في نشاط منزلي تمارسه. بل إن من الطرافة أن أحد طلبات التمويل كانت من قبل امرأة لديها حلبة لمصارعة الديوك وترغب في التوسع في هذا المجال، الأمر الذي أدى إلى تذمر عدد من المشاركين في ''كيفا'' بحجة أن في ذلك دعوة إلى العنف ضد الحيوانات، غير أن مؤسس ''كيفا'' رد عليهم بأن سياسة المؤسسة ألا تتدخل في قرارات التمويل وتترك ذلك للشريك الميداني، الذي له صلة قوية بالمقترضين ويتفهم حاجاتهم وثقافاتهم.
وعلى الرغم من النجاح الكبير لفكرة التمويل هذه، إلا أن الغريب أن نسبة الفائدة على القروض عالية جداً، تصل في بعض الحالات إلى أكثر من 30 في المائة كفائدة سنوية، وفي حالات قليلة تكون أقل من 10 في المائة، وفي حالات أخرى شاذة تتجاوز 60 في المائة. والسبب في ارتفاع نسبة الفائدة على الرغم من أن مؤسسة كيفا لا تستقطع أية فوائد على القروض، وكذلك الممولون لا يحصلون على أية فوائد مالية، هو أن تكلفة إدارة القروض من قبل الشريك الميداني عالية جداً، نظراً لحاجة الشريك لمقابلة طالب القرض وإعداد ملف له ومتابعة حالته أولاً بأول، ما يتطلب عددا معينا من الموظفين والتجهيزات الإدارية. السبب الآخر يعود لحجم القرض، حيث إنه في بعض الحالات لا يتجاوز القرض مبلغ ألف ريال، وإذا فرضنا أن تكلفة إنجاز القرض الواحد مائة ريال، فهذا يعادل 10 في المائة من المبلغ المقترض. إلا أن هناك من يطالب بتقليص نسبة الفائدة لمنع إيقاع الضرر على المقترضين الذين لا يجدون وسيلة أخرى للحصول على تمويل نظامي بأي طريقة أخرى. كما أن العملية لا تخلو من بعض حالات الاحتيال التي تمت بالفعل عندما قام بعض الشركاء الميدانيين بتحويل المبالغ لحساباتهم بدلاً من المقترضين المستحقين. وعلى الرغم من ذلك، فإن «كيفا» تزعم أن ما تقوم به من عمل كبير لن يخلو من بعض الهفوات وأن ما يتوافر لديها من خبرات تراكمية في هذا الشأن كفيل بإيجاد الحلول المناسبة.
من تلك الحلول التي تقوم بها مؤسسة كيفا للحد من الشركاء المحتالين أنها قسمت الشركاء إلى ثلاث فئات، الفئة الأولى شريك مبتدئ ويسمح له بتمويل لا يتجاوز 20 ألف دولار، وتكون هذه الفئة عبارة عن فترة تجربة للشريك ومدى جديته في هذا العمل، ومن ثم يمكن أن يرتقي إلى الفئة الثانية أو الثالثة ليصل إلى أعلى تمويل الذي يبلغ حالياً نحو 3.5 مليون دولار.
في حال رغبنا في تطبيق هذه الفكرة في المملكة، فقد نقوم بتطبيق الآلية نفسها من حيث توظيف الشركاء الميدانيين، كالجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني في الوصول للمحتاجين إلى القروض، وكذلك نشر بيانات المقترضين على الإنترنت، ومن ثم استخدام وسيلة ''سداد'' للدفع الإلكتروني ليتمكن عامة الناس من المشاركة في التمويل. كما يمكن رفع مبلغ التمويل ليتناسب مع احتياجات الأفراد والمؤسسات الصغيرة، ومن ثم يمكن متابعة أداء المقترضين عن طريق الإنترنت. فبهذه الطريقة يمكننا شحذ همم المواطنين والمقيمين في مد يد العون لمن هم بحاجة إلى قرض تجاري لا يمكنهم الحصول عليه من خلال المؤسسات الرسمية القائمة. ويبقى أخيراً علينا الحصول على موافقة مؤسسة النقد في ذلك، حيث عُرف عن المؤسسة عدم تشجيعها لأي وسيلة مالية ما لم تتم عن طريق المؤسسات الرسمية.