من العفة والعدل أن تقود المرأة سيارتها

إن ثمة وجهة نظر مختلفة تماما تجعل قيادة المرأة للسيارة من تمام العفة وطهارة النفس وصيانة عرض بنات المسلمين من الأجانب الذين يؤتى بهم من شتات الأرض ليكونوا مع النساء في خلوة غير مستساغة من أحد، ولا مرضي عنها من قبل أحد.
إن من الواضح أن الكثيرين من المجتمع السعودي باتوا غير قادرين على احتمال وجود رجل أجنبي بجوار زوجاتهم وبناتهم، يسترق السمع والبصر لكل ما لا يجوز له سمعه والنظر إليه! هذه فئة من الرجال الغيورين على أعراضهم يعتقدون أن العفة تقتضي أن تكون المرأة في تمام خصوصيتها دون حاجة إلى رجل بعنوان سائق ولا إلى آخر بعنوان سائق سيارة أجرة. ولا تبتذل في المواصلات العامة.
خطب الإمام علي - كرم الله وجهه - في أهل البصرة فقال لهم: ''إن نساءكم تخالط العلوج من الرجال فلا تستحيون ولا تغارون..!'' و''جدع الله أنف من لا يغار على أهله''. وقالت العرب: ''إن رأيتم عربيا لا يغار على أهله فكونوا منه على حذر أنه زانٍ'' .. وفي الحديث النبوي ''إن إبراهيم كان غيورا على نسائه وأنا أشد منه غيرة على نسائي وليس بمؤمن من لا يغار على أهله ونسائه''. كل هذه أحاديث صحيحة، تجعل الغيرة على العرض انعكاسا مباشرا للعفة، وتجعل سقوطها فاضحة لنفس زانية إما بالقابلية له، وإما بكونه متلبسا به فعلا.
وثمة تناقض فج وغير مفهوم، فالقضاء في مرات كثيرة أصدر عقوبة السجن والجلد لمواطنين سعوديين وسعوديات لما اعتبره جناية الخلوة غير الشرعية في السيارة. وفي مذكرة الأحكام القضائية يسبب القاضي حكمه أن الخلوة غير الشرعية تتحقق في السيارة بالقطع واليقين. ويرد على دفوع المتهم أن السيارة لا تصلح أن تكون عنوانا للخلوة الموجبة للتعزير. وتصادق محكمة الاستئناف على هذه الأحكام القضائية وتختم هذه الأحكام بختم التنفيذ بالقوة الجبرية.
وفي الوقت ذاته .. يُفرض على المرأة هذه الخلوة ذاتها الموجبة للعقوبة، لوحدة المحل والموضوع والسبب مع تلك الأحكام!
وهذا تناقض غريب يُفرض عليها سائق أجنبي ويجب عليها أن تدفع هي تكاليف استقدامه كافة، وسكنه، ومطعمه ومشربه، وعلاجه، وراتبه المرتفع، والمسؤولية النظامية لإقامته؛ وهذه مفارقة غريبة وغير مفهومة!
إلا إذا وضعنا صفة متممة للخلوة غير الشرعية؛ وهي أن يكون كلا طرفيها مواطنين. فإن اختلف جواز السفر لأحدهما .. سقطت الخلوة غير الشرعية وسقطت الحرمة تبعا لها، وجاز منع المرأة من القيادة وجازت الخلوة غير الشرعية مع السائق الأجنبي في اليوم مرات لا تعد.
وبهذا يعتبر هذا الفريق من الناس .. أن الحرام في منع المرأة المسلمة من قيادة السيارة، ومنعها من عفتها وطهارة نفسها، وتمام خصوصيتها، وليس العكس في حرمانها من هذا كله وفرض رجل أجنبي عليها بالقهر والتسلط.
ثانيا: في الشريعة المرأة لها كسبها من عملها الحلال وتجارتها المحللة. وإن العمل الشريف للمرأة هو أقوى سبب من أسباب عفتها، وصيانتها عن الحرام. وغالبا ما تجد المرأة نفسها بلا معيل، مع غلاء المعيشة، ووجود خلل في كثير من تطبيقات المعونة الاجتماعية على المستويين العام والخاص على حد سواء. مما يجعل العمل الشريف هو فرض واجب عليها لكفاية نفسها ومن تعول من العاجزين من أسرتها.
وحيث إن التقارير المسجلة في التأمينات الاجتماعية تشير إلى أن 70 في المائة من الموظفات في القطاع الخاص رواتبهن ثلاثة آلاف ريال. تدفع أكثر من 60 في المائة للسائق الأجنبي، ويبقى لها الباقي، غالبا يتحايل هذا السائق لسحبه من خلال إهلاك السيارة بسبب سوء الاستعمال، وسرقتها بفواتير البنزين المزيفة وغيرها.
وبهذا تصبح المواطنة هي الموظفة عند السائق الأجنبي وليس هو الموظف لديها؛ لأنها هي التي تعمل من أجله فهو بهذا صاحب الغنيمة الأكبر في قسمة راتبها الضئيل .. والمحدود. كما أن التغيب والتأخير، والهروب المفاجئ. مما يجعلها تدور حول نفسها بسلسلة تكاليف لا تنتهي ولا تتوقف وهذه محنة الأسرة السعودية من عشرات السنين.
وبهذا لم نحقق أهداف التنمية في توظيف نصف المجتمع المُعطل، ولم نعالج الفقر، ولم نجعل للناس المعوزين خلاصا مما هم فيه، غاية الأمر أننا استقدمنا أكثر من نصف مليون رجل من أجل أن تعمل الطبقة الفقيرة من النساء لأجلهم. فهو يعيش في ظروف أفضل من سيدته فهو يسكن مجانا، ويقبض مقابل مأكله ومشربه وعلاجه مكفول أيضا. بينما تكابد تلك المسكينة من أجل فواتيرها المستحقة فلا تستطيعها ولا تقدر عليها.
أما الجرائم غير الأخلاقية التي تتكرر كل يوم التي تقع بين السائقين والخادمات، والتواطؤ على أصحاب البيت، وسرقتهم فهي لا تتوقف ولا تنتهي.
إن العدل يقتضي تمكينها من صيانة مالها أسوة بالرجل، والعدل يفرض أن تقبض عوض هذا المنع، إن أكرهت عليه، ومنعت منه، والعدل يقتضي ألا تأخذ الدولة عليها شيئا من قوتها بعد أن فرضت عليها هذا المنع. رسوم تأشيرة، وإقامة وغيرها.
أما رذيلة قذف السعوديين بأقبح الصفات، وأخس النعوت، وشنيع الأفعال فقط لتبرير هذا المنع، فحسبنا من هذا الكلام أن كل إنسان يرى الناس بحسب طبعه، ويقيس الناس على ما هو عليه.
والحق أن السعوديين هم من أكرم أصول العرب، وخيرة رجالها، وأشرف أنسابها، ومن أكثرهم عفة وشرفا ونبلا وطهارة وكرما.
هذا حق مدني وسمعنا تأكيدات من مسؤولين كبار بعدم وجود موانع شرعية ونظامية، بقي أن يؤيده المجتمع وتقره الجهات الرسمية ذات العلاقة بهذا الموضوع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي