الأسباب الاستراتيجية لضعف الاستثمار في القطاع الصحي الخاص

ذكرت في المقال السابق أنه من المفترض أن يسهم القطاع الصحي الخاص بما لا يقل عن 33 في المائة من مجموع النفقات الصحية، وأنه من المؤسف أن نسبة أعداد أسرة القطاع الصحي الخاص ما زالت في حدود 20 في المائة من مجموع أسرة القطاعات الصحية في السعودية. لا شك أن هناك أسبابا عديدة أسهمت في ضعف الاستثمار في القطاع الصحي الخاص. هناك أسباب استراتيجية وإجرائية أدت إلى ضعف الاستثمار في القطاع الصحي الخاص ليس فقط في السعودية بل على المستوى الخليجي. ولعلي أشير إلى بعض الأسباب الاستراتيجية لضعف إسهام القطاع الصحي الخاص، ولعلي في مقال لاحق أتطرق لأهم الأسباب الإجرائية المتسببة في هذا الضعف.
من أهم الأسباب الاستراتيجية لضعف الاستثمار في القطاع الصحي الخاص غياب الرؤية لدور القطاع الخاص في غالبية دول الخليج العربي. هناك شبه إجماع بين الدول الخليجية على أن القطاع الصحي الخاص شريك في تقديم الخدمات الصحية مع القطاع الحكومي، لكن هناك غيابا لآلية تفعيل هذه الشراكة بين القطاع الصحي الخاص والحكومي. وقد ذكر أحد التقارير أن القطاع الصحي الخاص في دول الخليج يعاني غيابا في التشريعات والرؤية المستقبلية لدور القطاع الخاص في تقديم الرعاية الصحية. ومما أسهم في غياب الرؤية لدور القطاع الخاص عدم وضوح صيغ التأمين الصحي التي ستطبقها دول الخليج. فمثلا كان وزير الصحة السابق يدعم خصخصة الخدمات الصحية وكان بصدد فرض التأمين الصحي حتى على المواطنين، لكن وزير الصحة الحالي لديه رؤية مختلفة تتمحور في أن التأمين الصحي مجرد وسيلة لتمويل الخدمات الصحية وليس بالضرورة وسيلة لتحقيق حصولها. بغض النظر عن وجهة نظري الشخصية حيال هذا الموضوع الاستراتيجي، لكن مما لا شك فيه أن وضع رؤية واضحة لدور القطاع الخاص في توفير الخدمات الصحية يسهم في جلب الاستثمارات في المجال الصحي.
دور القطاع الخاص يجب أن يكون واضحا حيث يتم تفعيل مفهوم الشراكة بين القطاعين الخاص والعام ''حكومي'' إلى خطط واضحة المعالم للمستثمر في القطاع الصحي من جهة، وواضع السياسة الصحية من جهة أخرى. فمفهوم الشراكة مع القطاع الخاص كخيار استراتيجي تبناه معظم الدول الخليجية يجب أن يتم تفعيله بوضع أسس عملية لكيفية المضي قدما لتحقق هذه الشراكة.
في اعتقادي أن غالب الجدل حول خصخصة الخدمات الصحية خلاف في المصطلح وليس في حقيقة الخصخصة. الخصخصة بمعنى تولي القطاع الصحي الخاص تقديم الرعاية الصحية دون تشريعات رقابية حقيقية تضمن جودة الرعاية الصحية من جهة، وتحد من ارتفاع التكلفة العلاجية من جهة أخرى، لا شك في أنها خصخصة لا تحقق تفعيل الشراكة مع القطاع الخاص، بل تؤدي إلى سيطرة القطاع الصحي الخاص وتحكمه في النظام الصحي بشكل عام، كما أنها شراكة ترفع النفقات الصحية بصورة فلكية على غرار خصخصة القطاع الصحي للنظام الصحي الأمريكي.
في الجانب المقابل نجد أن الخصخصة يمكنها أن تلعب دورا إيجابيا في توفير الرعاية الصحية في حال تم تحديد طبيعة الخدمات الصحية المقدمة من خلالها وفي ظل وجود تشريعات حكومية صارمة تضمن الجودة الصحية وتحقق حصول الرعاية الصحية مع الحد من ارتفاعها. فمثلا استطاع النظام الصحي الهولندي جزئيا أن يضمن تحقيق معادلة التوازن بين أن يكون للقطاع الصحي الخاص دور فعال في حصول الرعاية الصحية مع كثرة التنظيمات الحكومية على هذا القطاع مما يشعر المتابع للشأن الصحي أن القطاع الصحي الخاص هو قطاع حكومي وليس خاصا وخصوصا أن النظام الصحي الهولندي جعل التحكم في ارتفاع التكلفة العلاجية من أهم أولوياته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي