رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


كُتاب الشأن العام والقراءة بنظارة سوداء

أذكر أنه نشر في صحيفة ''أنحاء'' الإلكترونية قبل نحو سنة على لسان الكاتب أحمد العرفج قوله وهو يبرر تخطيه قضايا الشأن العام إلى شؤون أخرى ''أن هناك أكثر من 200 كاتب يكتبون في الشأن العام يوميا ولم يحدثوا فرقا كبيرا، لذلك لن يؤثر غياب واحد مثلي عن المشهد''، وقال أيضاً إنه يئِس القلم من الكِتابة في قضايا الشّأن العام، حيث تَقاعس كثير من الجهات أصَابني بالإحباط، وقتل فيّ النشاط.
تذكرت ما كتبه الكاتب أحمد العرفج وعدت له من خلال الإنترنت ونقلت ما قاله حرفياً بعد أن رأيت الكثير من كتاب الشأن العام ينتقدون جميع الجهات وفي جميع المجالات بطريقة لا تمت بصلة للنقد الحقيقي القائم على التحليل السليم الذي ينطلق من فهم فكري عميق للجهة والموضوع أو القضية أو المشكلة مدار النقد، وللأمانة عندما أقرأ بعض ما يكتب أجزم بأن الجهة المنتقدة لن ترد لأن مسؤوليها قد مدوا أرجلهم لضحالة وسطحية النقد، وأكاد أجزم أن هذا السبب الرئيس لتقاعس الجهات الذي أصاب البعض بالإحباط وقتل النشاط.
أذكر أن جهة حكومية منظمة لقطاع مهم وحيوي قال مسؤولوها لزميل لي إننا لا نحسب حسابا إلا لأربعة كتاب ذلك أنهم يكتبون بفهم عميق وعندما ينتقدون فإن نقدهم صحيح ويتطلب العمل على إصلاحه أو جهد كبير للرد عليه خصوصاً إذا ما جاء استفسار من جهة عليا بشأن ما كتب، أما بقية الكتاب فلا يعنوننا لأنهم كتاب شأن عام يهرفون بما لا يعرفون ومن السهولة تفنيد نقدهم لأنه في الغالب غير دقيق وغير صحيح وتغلب عليه العاطفية، ولذلك لا نأخذ لهم اعتبارا ولا نرد عليهم لأننا لا نعطي بالاً للكاتب الذي لم يكلف نفسه جهد فهم القضية أو المشكلة التي كتب عنها.
إذن الكاتب الذي يكتب في أكثر من مجال دون فهم عميق كاتب غير مؤثر إيجاباً بل في الغالب هو كاتب ذو أثر سلبي لأنه يكتب بطريقة تهيج العواطف لكسب المزيد من القراء والمعجبين الذين يجذبهم الكاتب الذي ينقد الأجهزة الحكومية بقسوة حتى وإن كان هذا النقد قائما على فهم سطحي يحرم الجهة ذات الإنجاز من التقدير والثناء ويشحن صدور المواطنين بالغضب وعدم الرضا.
من دلائل ما أشرت إليه ما تابعته أكثر من مرة في ''تويتر'' ومنه عرض أحد الكتاب مقالة له ينتقد فيها شخصية اقتصادية مرموقة أدارت هيئة حكومية فترة من الزمن وأبدعت في خططها الاستراتيجية وبرامجها التنفيذية وبتحريك المياه الراكدة بطريقة غير مألوفة وحققت نتائج باهرة على أرض الواقع ينعم الكثير من أبناء الوطن بفوائدها، حيث ما أن قام أحد عميقي الفهم بالرد على مقالة الكاتب السطحية المضحكة حتى انهالت عليه الاتهامات من الكاتب ومن مريديه ممن لا ينظرون للأعمال والإنجازات إلا من خلال النظارة السوداء الحالك سوادها.
وأذكر أن محاورهم سألهم سؤال فيما إذا كانوا يعرفون الخطط والبرامج التنفيذية والإنجازات التي حققها هذا الرجل والمرجعيات التي اعتمدها لقياس نجاح خططه فلم يجبه أحد وأصروا على أنه شخصية فاسدة تنهب خيرات البلاد وهو الكلام الذي يطرب له الكثير من الناس الذين إن أثنيت على مسؤول بحق لووا رقابهم، وأن لمزت واتهمت دون أدلة استبشروا خيراً وكالوا للكاتب المديح والثناء على جرأته ومصداقيته ومواجهته للفساد والمفسدين.
جميل أن يتصدى الكاتب في الشأن العام للفساد والمفسدين، ولكن عليه أولا أن يفهم بعمق بعد تحليل علمي متجرد من الأهواء والاتجاهات والميول والأحكام المسبقة ما يريد أن يكتب بشأنه لكي يكون كاتباً مؤثراً بشكل إيجابي ولكي لا يضع نفسه موضع الكاتب السطحي المتشنج الذي يكتب ما يريده القراء والمريدون والذي لا يحقق الصالح العام الذي أجزم بأنه ما دفعه لكتابة مقالاته.
بل إنني أجزم أن أي كاتب شأن عام لم يحلل ويشخص بعمق سيلعب دورا سلبياً أقله أنه سينظر له ولكتّاب الشأن العام بأنهم كتّاب سطحيون لا يستحقون الرد، وأعرف أن مسؤولين في جهات عليا كثيرة ومن منطلق حرصهم على متابعة ما يكتب كأحد أدوات الكشف والمتابعة كانوا يستفسرون من مسؤولي الأجهزة والهيئات الحكومية عما يكتبه هؤلاء الكتاب، ولكن بعد الرد على أكثر من مقالة بأنها مقالة سطحية وغير دقيقة أصبح هؤلاء المسؤولون لا يعبأون بما يكتب بل أصبح التوجيه في كثير من الأحيان أن يتم تجاهل مثل هذه المقالات السطحية.
أنا ككاتب اقتصادي درست وبعمق الفكر الاقتصادي وتطبيقاته والفجوة بين النظرية والتطبيق، كما درست الكثير من القطاعات الاقتصادية وخصوصاً القطاع المالي ذا العلاقة الوطيدة بكل القطاعات الاقتصادية الأخرى، وعندما أريد أن أكتب في أي موضوع أقوم بالبحث من خلال جميع البدائل البحثية المتاحة لتكون المقالة مقنعة وأستطيع الدفاع عن مضمونها، ولا شك أنني لن أستطيع النجاح في الكتابة في الشأن السياسي أو الرياضي لأني لست ضليعاً في هذا الشأن من جهة الفكر والممارسات والإنجازات، لذلك لا أظن أن كاتباً مهما أوتي من قدرات أن يكون كاتباً ناجحا في جميع المجالات وإذا أراد ذلك أعتقد عليه أن يكون ذا جهد مضاعف لدراسة وفهم فكر جميع هذه المجالات وتطوراته وممارساته ليستطيع التحليل والتشخيص وطرح الحلول.
ختاماً أرجو من الزملاء كتاب الشأن العام أن يراجعوا أنفسهم ويقرأوا عبارة الكاتب أحمد العرفج التي قال فيها ''إن هناك أكثر من 200 كاتب يكتبون في الشأن العام يوميا ولم يحدثوا فرقا كبيراً'' بمنطقية ليعملوا على معالجة أسباب عدم التأثير الذي يحدث الفرق الكبير ليكتبوا بعد فهم عميق متجرد ما يحدث فرقاً كبيراً في إصلاح كل شأن يكتبون فيه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي