الأضحية شعيرة وحراك اقتصادي
شرع الله الأضحية تقربا إليه وتزكية للنفس يتعبد بفعلها الفرد لينال الثواب، والجزاء على فعلها، ولذا تؤكد النصوص الشرعية على ضرورة حسن الاختيار للأضحية لتكون من أجود بهيمة الأنعام، وأطيبها، كما تؤكد النصوص أيضا أن تطيب بها النفس، وهذه العبادة مثلها مثل الزكاة يتضح فيها الجانب الاجتماعي من تواصل بين المسلمين، وتراحم، والشعور بالآخر غير القادر على الأضحية، ولذا من السنة التصدق بثلث، وإهداء ثلث، وأكل ثلث ليعيش المجتمع الإسلامي بفرح، وسرور يوم العيد، أو أيامه ليس فيهم محروم، أو هكذا يجب أن يكون لو تم الاقتداء بالسنة النبوية المطهرة بالصورة الصحيحة.
قيمة الأجر، والثواب للمضحي مع مواساة، وإدخال السرور على غير القادر كلها فوائد جمة لهذه الشعيرة التي سنها الله منذ أمر إبراهيم -عليه السلام- لذبح ابنه وفلذة كبده إسماعيل فاستجاب هو، واستجاب الابن إذعاناً منهما للأمر الإلهي حتى وإن كان قاسياً على النفس فكيف بالمقتدر على الأضحية؟ ومع ذلك يتردد، ولا يقوم بهذه الشعيرة.
الجانب الاقتصادي للأضحية يمثل صورة أخرى من فوائد هذه الشعيرة، فطوال السنة يقوم مربو الماشية بالعمل على الاستفادة من هذا الموسم، والاستعداد له من خلال تربية مواشيهم، والعناية بها، وإعلافها من أفضل الأعلاف، وفي الوطن الواحد من أوطان المسلمين تذبح الملايين، ولو تأمل المرء لوجد أن دورة اقتصادية يتم من خلالها استفادة أطراف عدة من هذه الشعيرة فبجانب المضحي، والفقير الذين يأكلون اللحم نجد أفراداً آخرين من تجار مواش، وموردين، ومن بائعي أعلاف إلى أصحاب السيارات الذين ينقلون هذه المواشي إلى جزارين، إلى موردي المياه، إلى بائعي أدوات الجزارة، كالسكاكين، وسائر العدد، والمستلزمات من أكياس، وأدوات نظافة، وغيرها الكثير من الاحتياجات التي يؤمنها المختصون بمثل هذه الأشياء، وهذه الأعمال والأدوار تمثل مصدر رزق للجميع ولو موسمي بدلاً من البطالة طوال السنة.
في السابق كانت أوجه الاستفادة في بلادنا أكثر وأوسع إذ تشمل الجلود، والأصواف، والأشعار، وسائر الأشياء ذات العلاقة بالأضحية، وذلك حين كانت الجلود تستخدم للقِرَب، والصملان، والأحذية، وكذلك صناعة الملابس، والخيام من الأصواف إلا أن هذه الاستخدامات توارت بفعل الطفرة الاقتصادية التي شهدتها بلادنا وأثرت في نمط حياتنا.
قد لا نرى كل جوانب الاستفادة من الأضاحي لكن المؤكد أن مجتمعات إسلامية أخرى تستثمر كل أجزاء الأضحية، وفي هذا حركة، ونماء اقتصادي، وتوسيع للأنشطة التي تفتح آفاقا وظيفية للكثير من الباحثين عن أعمال شريفة.
ليس لدي أرقام دقيقة بشأن عدد الأضاحي في العالم الإسلامي، لكن من المؤكد أنها بعشرات الملايين، ولذا يمكن القول إن أقيامها بالمليارات أيضاً، ولذا فإن واجبنا خاصة في الجامعات، ومراكز الأبحاث أن نجري الدراسات، والبحوث في هذه الشعيرة من جميع الجوانب الاجتماعية، والاقتصادية، كما أن واجب تربية الأبناء على الاهتمام بها يجب أن يحظى بعناية المجتمع: أسرة، ومؤسسات رسمية، وغير رسمية.