رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


هل صحيح أننا «بارعون» في تأسيس الشركات لا تشغيلها؟

في أحد المجالس، توصل أحد الضيوف إلى نتيجة – نظرية كما يسميها – أن السعوديين بارعون في تأسيس الشركات وطرحها للاكتتاب، لكنهم لا يجيدون ''تشغيل'' هذه الشركات، معللا نظريته بأن السعوديين خبرتهم في ''الإدارة العامة'' (الإدارة المعنية بتشغيل القطاع الحكومي)، وأن ''نفسهم'' قصير مع الشركات التي يرتبطون بها، مضيفا أن السعوديين يستحوذ عليهم هاجس ''التأسيس'' أكثر من هاجس ''الإدارة والتشغيل''، مستشهدا بالعديد من الشركات التي كانت ناجحة عند انطلاقها، وتعثرت بعد إدراجها في السوق المالية.
عندما نستعرض سريعا 156 شركة سعودية مدرجة في السوق المالية، ربما نجد أن رأي الضيف يحمل جزءا من الصواب والخطأ، فالصواب ربما يتمثل في أن تعليمنا العام والعالي كان مصمما على أساس تخريج طلاب يلتحقون بالقطاع الحكومي (المدني والعسكري) بالدرجة الأولى، ودون مراعاة لمتطلبات القطاع الخاص، والنتيجة تظهر في مستوى البطالة التي نشهدها بين خريجي الثانوية والجامعات، مما يؤكد أن هؤلاء لم يتم تأهيلهم أصلا لدخول القطاع الخاص.
أما الخطأ الذي يشوب رأي الضيف، فهو يكمن في ''التعميم''، فلا يمكن تعميم مثل هذه الصورة النمطية (تدني قدرات السعوديين في إدارة التشغيل لدى الشركات).
لكن إذا كانت السعودية بحلول عام 2017 تستهدف الوصول إلى 200 شركة مدرجة في سوق الأسهم، فإننا لا بد أن نكون مستعدين لذلك، ومؤهلين بشريا وماليا أي التوفيق بين التشغيل والتمويل.
إدارة التشغيل (إدارة العمليات) تعرف بكل بساطة بأنها الإدارة المعنية بالإشراف على عملية إنتاج سلع الشركة وخدماتها ومراقبة ذلك، فالتشغيل والإدارة مع توافر الموارد اللازمة تعد الركائز الأساسية لنجاح أي شركة، وهذا النجاح لا يتحقق إلا بتوافر عشرة مفاتيح.
إذ يتفق خبراء إدارة التشغيل بأن هناك عشرة قرارات لا بد لأي شركة أن تبت فيها وتحدد ملامحها، وهذه القرارات تترتب على بعضها البعض على النحو التالي:
- القرار الأول (تحديد المنتجات والخدمات): ما المنتجات (سلع أو خدمات) التي سنقدمها؟ كيف نصمم هذه السلع أو الخدمات؟ من الشرائح المستهدفة؟
- القرار الثاني (إدارة الجودة): كيف نحدد معايير جودة المنتجات؟ ومن المسؤول عن وضع معايير الجودة ومراقبتها؟
- القرار الثالث (تصميم العمليات): ما العمليات التي يلزم تصميمها لإنتاج هذه السلع والخدمات؟ وما المعدات والوسائل التقنية اللازمة لهذه العمليات؟
- القرار الرابع (المكان): أين يمكن إنشاء مرافق الشركة؟ وعلى أي أساس يتم اختيار هذه المواقع؟
- القرار الخامس (تصميم الموقع): إذا حددنا مواقع المرافق، فكيف نقوم بتصميم وتوزيع هذه المرافق؟ وعلى أي أساس يتم تحديد مساحتها؟
- القرار السادس (الموارد البشرية): كيف يتم تأسيس بيئة العمل؟ وما الوظائف التي نحتاجها؟ وما مؤهلات وخبرات شاغلي الوظائف ليتمكنوا من إنتاج سلع الشركة أو خدماتها؟
- القرار السابع (إدارة سلسلة الإمدادات): كيف يتم توفير المكونات (المواد) اللازمة لإنتاج السلع أو تقديم الخدمات؟ هل نصنع هذه المكونات بأنفسنا أو نطلبها من الموردين؟
- القرار الثامن (إدارة المخزون والمستودعات): كم حجم المخزون من المواد الذي يجب أن نحتفظ به؟ ومتى نعيد طلب المواد؟
- القرار التاسع (الجدولة وتوزيع العمل): كيف يتم توزيع العمل وجدولة النوبات؟ هل يتم الاستعانة بموظفي الشركة في كل الأعمال أم أن هناك أعمالا يمكن إسنادها لجهات أخرى؟
- القرار العاشر (الصيانة): من الإدارة المسؤولة عن الصيانة؟ ومتى يتم إجراء الصيانة؟ وكيف تتم؟
على مستوى السوق، نلاحظ أن بعض الشركات تتعثر في جانب من الجوانب المذكورة أعلاه، لأنها لم تجب عن أحد الأسئلة، ولم تتخذ قرارا حاسما، وبالتالي تظل تترنح في مكانها، إلى أن تنهار أو تنتشلها مجموعة من القياديين السعوديين المحنكين من الحضيض إلى القمة.
على مستوى التعليم، لم أجد جامعة سعودية - من خلال البحث المصغر الذي أجريته – تدرس إدارة التشغيل كتخصص (مسار مستقل) وليس كمادة دراسية.
لذلك، أقترح أن يتم تأسيس برنامج شراكة بين ثلاثة أطراف (الشركات المدرجة في السوق ووزارة العمل والجامعات السعودية)، لتأهيل كفاءات وطنية شابة تستطيع العمل في مجال إدارة التشغيل، فلو استحدثت الجامعات مسار ''إدارة التشغيل'' ضمن كليات إدارة الأعمال التابعة لها، وافترضنا أن كل شركة من هذه الشركات تبنت سبعة طلاب، فسوف نحصل على 1092 طالبا سنويا، مما يعني أننا نؤهل 4368 طالبا بحلول عام 2017.
ولأننا نلمس أن الجامعات السعودية بدأت في السنوات الأخيرة تعيد هيكلة التخصصات الدراسية، وتعيد تدريس تخصصات الإدارة بالإنجليزية بدلا من العربية، لتتماشى مع متطلبات سوق العمل، فإنني أتمنى أن نمنح ''إدارة التشغيل'' مساحة من ذلك الاهتمام!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي