رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الضخ المعلوماتي وتحفيز القطاعات

ضخت إحدى الشركات العقارية انطلاقا من عام 2004 ولمدة أربع سنوات متتالية معلومات كبيرة ودقيقة عن الفجوة في السوق العقارية وحجم الطلب على الأراضي والمساكن بجميع أنواعها وكذلك حجم الطلب على التمويل العقاري، وقد عملت هذه الشركة بالتزامن مع ضخ هذه المعلومات على إيجاد حراك إعلامي لمعالجة تشوهات السوق العقارية لتلعب دورها الحقيقي والكبير المنتظر كقاعدة للاقتصاد كما هو الحال في معظم الدول المتقدمة.
هذا الضخ المعلوماتي المتزامن مع الضغط على جميع الأطراف المعنية بالسوق العقارية لمعالجة تشوهاتها انطلاقا من أهمية معالجة المشكلة الإسكانية نشَّط السوق العقارية وحفَّز الجهات المنظمة لتنظيمها وتطويرها وحماية كافة عناصرها، كما حفَّز الضخ المعلوماتي وفي الوقت نفسه المستثمرين بمختلف مستوياتهم للاستثمار في تطوير المساكن، الأمر الذي انعكس إيجاباً على السوق حتى باتت المشكلة الإسكانية تتلخص في مشكلة التمويل الإسكاني من ناحية وفي ثقافة المواطن بالنسبة لنوعية المسكن الملائم في كل مرحلة من حياته من ناحية ثانية.
تذكرت هذا وأنا أستمع لأحد كبار موظفي إحدى شركات التأمين الذي يشتكي من تغول شركات ومؤسسات القطاع الخاص في القطاع الطبي التي تقدم الخدمات العلاجية للمرضى، حيث يقول إن المستشفيات والمراكز الصحية أصبحت تحد من قدرتنا على القيام بدورنا الرقابي والتأكد من حالة المريض حامل بوليصة التأمين فيما إذا كانت تستدعي كل الفحوص والعلاجات التي أجريت له والأدوية التي أعطيت له، حيث تعاني هذه المستشفيات والمراكز طلبا كبيرا وزحاما يغنيها عن زبائن شركات التأمين نتيجة لارتفاع الطلب على الخدمات الصحية بشكل كبير بسبب كثرة أمراض العصر والنمو السكاني وزيادة الوعي الصحي.
ويضيف هذا الموظف أنه وللأسف الشديد أصبح التأمين الصحي بالنسبة لنا كشركات غير مجد من ناحية، كما أنه أصبح غير ذي أثر إيجابي على المستوى الصحي في البلاد كما هو الحال في الدول المتقدمة، حيث يلعب التأمين الصحي دوراً كبيراً في منظومة جودة الخدمات الصحية، ويقول أيضاً إنه لا يرى بارقة أمل في تحرك ملموس لمعالجة الفجوة بين المعروض والمطلوب من الخدمات الصحية حالياً وفي المستقبل المنظور، مؤكداً أن الدولة مهما بذلت من جهود وأموال لن تستطيع منفردة تقديم خدمات صحية ذات جودة معيارية لجميع سكان المملكة.
والسؤال: لماذا لا تتحرك وزارة الصحة لضخ معلومات هائلة عن القطاع الصحي، عن حجمه ومعدلات نموه والفجوة بين المطلوب والمعروض والفرص الاستثمارية التي يقدمها القطاع والتسهيلات التي تقدمها الدولة للمستثمرين في هذا القطاع سواء كانت تمويلا ماليا أو أنظمة محفزة كالإعفاءات الجمركية ودعم العمالة والإعفاءات الضريبية إذا كانت بشراكة أجنبية إلى غير ذلك من التسهيلات؟
القطاع الرياضي هو الآخر يعاني تشوهات ونسبة مشاركة متدنية جداً في الألعاب الرياضية مقارنة بالدول الأخرى رغم أن بلادنا تتميز بكثرة الشباب وندرة الأماكن الترفيهية الأمر الذي نتوقع أن يدفع بالنسبة للأعلى بشكل كبير، ولكن ضعف مساهمة القطاع الخاص في تقديم الخدمات الرياضية المميزة والاعتماد شبه الكلي على خدمات الرئاسة العامة لرعاية الشباب أدى إلى انخفاض هذه النسبة بالشكل المتدني، وبطبيعة الحال قلة اللاعبين في جميع الألعاب يؤدي إلى ندرة الحكام والمدربين والمنافسات، أي أننا نخسر من عدة جوانب حيث نخسر الفرصة الاقتصادية كما نخسر فرصة تكوين قاعدة لاعبين عريضة تتدرج تلقائياً في كل لعبة وصولاً لمنصات التتويج ورفع علم بلادنا عالياً في المحافل الرياضية الدولية.
وبالتالي أعتقد أنه حان الوقت أن تقوم الرئاسة العامة لرعاية الشباب بالضخ المعلوماتي عن حجم قطاع الألعاب الرياضية وحجم كل مجال من مجالاتها والفجوة بين المعروض والمطلوب وتطوير التشريعات والأنظمة والإجراءات المحفزة للمستثمرين وتحفيزهم للاستثمار في القطاع الرياضي ليلعب دوره الحقيقي والكبير المنتظر في دفع الشباب لاستثمار أوقات فراغهم بممارسة الرياضة التي تحميهم من مخاطر أوقات الفراغ وتنمي أجسادهم بدنيا وصحيا وتدعم نفسياتهم ومنظومة قيمهم الأخلاقية حيث تربيهم الرياضة على الالتزام والصبر والعزيمة والإصرار والتحدي والعمل بروح الفريق الواحد إلى غير ذلك من قيم الرياضة التربوية.
دائما ما يقول الاقتصاديون إن السوق العقارية تنتفخ أسعارها بشكل كبير عند توافر السيولة الكبيرة في البلاد التي تنشأ عادة من ارتفاع أسعار النفط، ويؤكد هؤلاء أن سبب هذا الانتفاخ يأتي من حاجة هذا الأموال إلى قنوات استثمارية، حيث لا تجد أي قطاع كبير ومشجع يستوعبها سوى القطاع العقاري، ولذلك ينصح الاقتصاديون لخفض أسعار العقار بضرورة توسيع القطاعات الأخرى وإظهار فرصها الاستثمارية الصغيرة والمتوسطة والكبرى ليتجه لها المستثمرون كل حسب طاقته، ولا يأتي ذلك إلا من خلال الضخ المعلوماتي عن هذه القطاعات وفرصها الواعدة وتنظيمها وتطويرها وحماية المتعاملين بها وتقديم المميزات للمستثمرين بها من مواطنين وأجانب.
والسؤال: هل نترك عملية ضخ المعلومات لتحفيز القطاعات دون خطة ونتركها للظروف والمفاجآت والمزاجية، حيث تقوم بعض الأجهزة الحكومية المعنية أو الشركات الكبرى ذات الصلة بذلك أو لا تقوم به؟ أم أنه يجب أن نكلف جهازا حكوميا معنيا بالاقتصاد بشكل مباشر ليلعب هذا الدور ويلزم الأجهزة الحكومية على القيام به، كما يحفز الشركات الكبرى أن تساهم هي أيضاَ بهذا الدور كما فعلت الشركة العقارية الكبرى التي أشرت إليها في أول المقال.
أقول أتطلع إلى أن تلعب وزارة الاقتصاد والتخطيط دوراً كبيراً في استراتيجية "الضخ المعلوماتي" عن القطاعات الواعدة في السعودية وتوجيه الأجهزة الحكومية المعنية بكل قطاع لتنظيمه وتطويره وتحفيز المستثمرين للاستثمار في مجالاته المتعددة، وكذلك حث الشركات الكبرى للمساهمة الفاعلة في الضخ المعلوماتي الدقيق هي الأخرى لتتضافر الجهود لتنشيط القطاعات الاقتصادية في بلادنا وتعجيل عجلة التنمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي