رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إلى المؤتمر الأول لكليات الأعمال (2)

عرضت وجهة نظري حيال المؤتمر الأول لكليات الأعمال في مقال سابق، وكنت أريد أن أكمل الجزء الثاني في الأسبوع الذي يليه إلا أن مناسبة اليوم الوطني استوقفتني وجعلتني أرجئ مناقشة الموضوع إلى هذا الأسبوع. ذكرت من قبل أن كلية الأعمال في جامعة الملك سعود تعتزم عقد مؤتمر أطلق عليه ''المؤتمر الأول لكليات الأعمال بدول مجلس التعاون'' تحت رعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء.
ويسعى المؤتمر إلى تحقيق عدة أهداف من أهمها مناقشة أهم التحديات التي تواجهها دول مجلس التعاون الخليجي في مجال المال والأعمال، إضافة إلى استعراض واقع العملية التعليمية في كليات إدارة الأعمال ومقارنتها بأفضل التجارب العالمية الناجحة. كما يتضمن المؤتمر عدداً من المحاور التي سيتم مناقشتها عبر عدد من الجلسات من أهمها مواجهة التحديات المعاصرة في مجال المال والأعمال وتطوير العملية التعليمية في كليات إدارة الأعمال.
وقد استعرضت في المقال السابق الواقع المرير لكليات الأعمال والأسباب الجوهرية وراء بقائها تراوح في مكانها فذكرت أن أهم سبب يتمثل في المسميات النشاز التي تطلق على كليات الأعمال مثل ''كلية العلوم الإدارية'' أو ''كلية الاقتصاد والإدارة'' فمثل هذه المسميات تعد من الأسباب الجوهري لبطء تطور كليات الأعمال في دول مجلس التعاون لأن هذه المسميات هي التي سمحت لبعض التخصصات البعيدة عن فكر الأعمال إلى الولوج إلى بيئاتها وتدمير برامجها وترسيخ قيم دخيلة عليها.
وقد ختمت المقال السابق بتوصية مفادها أن يتبنى المؤتمر الأول لكليات الأعمال فكرة طلب تغيير جميع مسميات كليات الأعمال في دول المجلس التي تحمل الأسماء المركبة مثل مسمى ''كلية العلوم الإدارية'' أو ''كلية العلوم الإدارية والمالية'' أو مسمى ''كلية الاقتصاد والإدارة'' واستبدالها بمسمى إدارة الأعمال.
إلا أن تغيير المسمى لا يكفي، فالتشويه الذي حدث لبعض كليات الأعمال لا يبرأه فقط مجرد تغيير الاسم بل نحتاج إلى وقفات أكثر جرأة فهناك قيم وأعراف لا تمت للأعمال بصلة ترسخت في كليات الأعمال من الصعب أن يلغيها تغيير الاسم دون أن يتبعه عدة إجراءات تزيل هذه الترسبات. لذا سوف أذيل مقالي هذه بتوصية أخرى أراها ضرورية وقد تساعد كثيرا في زوال عثرات كثير من كليات الأعمال في بيئاتنا الخليجية.
أرى أن تكف كليات الأعمال عن التوسع العشوائي دون أن ترافقه بنية تحتية مناسبة من أعضاء هيئة تدريس مؤهلين ومن تجهيزات وقاعات وبرامج حاسوبية وخطط وبرامج. وهنا أريد أن أركز على أهم مدخلات النظام الأكاديمي في كليات الأعمال وهو عضو هيئة التدريس. فالكل يعلم أن أهم عنصر في نجاح المؤسسات الأكاديمية ليس فقط في مجال الأعمال بل في التخصصات كافة هو عضو هيئة التدريس. ولا تقل لي إن توفير عضو هيئة التدريس المتميز ممكن وفي متناول اليد بل أظنه من أصعب وأعقد الأمور فالظفر بأعضاء هيئة تدريس أكفاء صعب للغاية لندرتهم ولصعوبة أعدادهم.
ولو يعلم الناس ما يحدث في بعض كليات الأعمال نتيجة الشح الشديد في أعضاء هيئة التدريس لأظنه يفقد الثقة في مؤسساتنا الأكاديمية. تضطر بعض كليات الأعمال نتيجة الشح الشديد في أعضاء هيئة التدريس إلى الاستعانة بغير المتخصصين والبعيدين عن المهنة. فمن الممكن جدا أن يقوم أستاذ الموارد البشرية بتدريس مادة الأساليب الكمية، ومن الممكن جدا أن يقوم رجل القانون ''الذي كان يعمل في محكمة ولم يسبق له التدريس'' من الممكن جدا أن يسند إليه تدريس مادة التمويل والاستثمار في تناقض لم نر له مثيلا. ومن الممكن جدا أن نجد المعيد الذي لم يتعد أسبوعه الأول في وظيفته يسند إليه تدريس الإدارة الاستراتيجية.
أرى أن الشح في أعضاء هيئة التدريس الذي تعانيه كليات الأعمال في دول الخليج يحتاج إلى محور مستقل. فقد تسلل إلى ميدان كليات الأعمال من ليسوا من جلدته ولم يبق الوضع منحصرا على الأكاديميين بل تعداه إلى المهنيين وأهل اللغة والنحو والأطباء ومن في حكمهم. فالطبيب يفتي في ''الجودة'' ويقدم في ذلك أبحاثا وينشرها ويقدمها للترقية، والنحوي يدعي قربه من مفهوم ''القيادة'' و''الحوكمة'' فيعقد الدورات ويصمم البرامج ويجني من ورائها الأرباح. بل وصل الوضع إلى أبعد من ذلك فتسلل إلى كليات الأعمال من يحملون الدكتوراه من خارج أسوار الجامعات الذين كانوا بالأمس موظفين في الجمارك، أو كانوا صرافين في البنوك فحصلوا على الدكتوراه عن طريق ''التعليم عن بعد'' أو بالمراسلة، وعندما رفضتهم جامعات بلادهم ولم تمكنهم من التدريس والانتساب إليها حملوا أنفسهم وسوقوا بضاعتهم في بيئاتنا الخليجية. هل سمعت عما يسمى بـ ''مؤهلات من أجل الخليج''؟ إنها عبارة عن مؤهلات عليا من الماجستير إلى الدكتوراه يحصل عليها بعض أبناء الدول العربية في إدارة الأعمال بالمراسلة وعندما تستبعدهم دولهم وتحرم عليهم دخول مؤسساتها الأكاديمية تستقطبهم كليات الأعمال في دول الخليج وتحتضنهم وتمكنهم من ممارسة العمل الأكاديمي بكل فروعه فتعينهم على درجة أستاذ مساعد وتسمح لهم بالنشر وما هي سوى أربع سنوات حتى ترقيهم إلى درجة أستاذ مشارك.
وهناك الكثير والكثير مما يمكن قوله وتوثيقه إلا أن المساحة المخصصة للمقال قاربت على النفاد، لذا أريد أن أختم فأقول إن كليات الأعمال في دول الخليج تستقطب النطيحة والمتردية وما أكل السبع وتمكنهم من التدريس والنشر والترقية وفي الوقت نفسه تسعى إلى تحقيق معايير الجودة في تناقض لم نفهم أبعاده، وأمر كهذا يحتاج إلى وقفة صادقة وجريئة من قبل القائمين على المؤتمر الأول لكليات الأعمال القادم الذي نتمنى له التوفيق في الخروج بتوصيات وآليات لتحقيق أهدافه الجسورة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي