كيف تأوي السويد اللاجئين السوريين
الكارثة التي حلت بسورية وشعبها لا توصف، وأنا على يقين بأن قرائي الكرام على دراية كاملة بها. لن أدخل في تفاصيل التغطية الإعلامية الغربية للحدث السوري ــــ الجرح العميق الذي دماؤه النازفة تجري مثل الأنهار ــــ ولكنني سأطرح هنا قضية تتعلق بموقف دولة السويد من سيل اللاجئين السوريين القادمين إليها.
زاد تقاطر اللاجئين السوريين إلى السويد أخيرا ووصل إلى عشرات الآلاف. وهؤلاء عرب غالبيتهم الساحقة مسلمون أي لا يمتون للهوية السويدية بأي صلة دينية أو إثنية أو لغوية.
أمام هذا الزخم الهائل ــــ هائل ليس عدديا قياسا بعدد المهاجرين السوريين الذين يهيمون على وجه الأرض ــــ لم تغير السويد الطريقة التي تتعامل بها مع الذي يدخل أراضيها بصيغة غير قانونية ويطلب الحماية واللجوء.
هناك نحو مليون أجنبي في السويد أغلبهم لاجئون وأكثر من نصفهم مسلمون. ولكن شتان بين الطريقة التي تتعامل بها السويد مع هؤلاء اللاجئين والطريقة التي تتعامل لها بعض الدول العربية والإسلامية مع أقرانهم ومن ضمنهم السوريون.
فنظرا للظروف القاهرة التي تمر بها سورية حاليا قررت دائرة الهجرة السويدية التسريع في معاملات اللاجئين السوريين ومنحهم الإقامة الدائمة بأسرع وقت ممكن، وبالفعل حصل عليها عشرات الآلاف من السوريين حتى الآن.
ماذا تعني الإقامة الدائمة أو حتى الإقامة المؤقتة؟
باختصار شديد، اللاجئ أو الأجنبي الذي يحصل على إقامة في السويد يتمتع بكل حقوق وواجبات المواطنة عدا حقوق محددة مثل المشاركة في الانتخابات.
ولكن الأمر لا يقف عند هذا.
السوري الحاصل على الإقامة إن كان متزوجا مثلا له الحق الكامل في استقدام عائلته وأطفاله إلى السويد وتساعده الدولة على ذلك ماديا ومعنويا ودبلوماسيا إن أمكن.
السوري الحاصل على الإقامة إن كان يافعا أي لم يبلغ 18 من عمره له الحق في استقدام والديه وإخوانه وأخواته اليافعين إلى السويد وتساعده الدولة ماديا ومعنويا ودبلوماسيا إن أمكن.
والأمر يتجاوز هذا الحد أيضا.
الدولة ملزمة بتوفير سكن لائق للاجئ وعائلته وتسجيلهم ضمن سجلات النفوس ومنحهم جوازات أو هويات سفر مؤقتة وأرقام خاصة تؤهلهم كمواطنين لهم حق التمتع بكل الخدمات العامة من صحة وتربية وتعليم وشراء وبيع وتأهيل للانخراط في المجتمع والحصول على معونة اجتماعية لا تقل عن الحد الأدنى للأجور الذي يؤمّن السكن والأكل والشرب والملبس وفائضا ـــ ليس كبيرا طبعا ــــ للحصول على أمور ترفيهية محددة.
الأمور المادية مهمة ولكن قد لا تكون بذات الأهمية إن أخذنا الجانب الإنساني والقانوني. فاللاجئ له رزمة قوانين تحميه من أي محاولة عدم المساواة بسبب العرق والأصل والدين واللون والمذهب مع أقرانه السويديين. هذا لا يعني أنه لا تحدث أمور كهذا ولكنها غير شرعية وبإمكان المتضرر التقدم إلى المحاكم لتحقيق العدالة والمساواة.
قد لا يعلم البعض الجهد والأموال التي تطلبه عملية إعادة تأهيل عشرات الآلاف وفي فترة قصيرة وبهذه الطريقة الحضارية والمدنية التي لا أساس للدين والعرق والمذهب واللون في إحقاقها.
لقد خصصت السويد مئات الملايين من الدولارات لهذه العملية ويعمل كادر مصلحة الهجرة والشؤون الاجتماعية ليل نهار لتلبية متطلباتها. وفي كل قرار يصدرونه فيه تعاليم وإرشادات للشخص المعني عن كيفية الاستئناف لدى المحاكم الخاصة. والاستئناف تتحمل الدولة تكاليفه كاملة.
وبما أن عمودنا هذا يتخذ المقارنة والمقاربة كرصيف فكري لفهم الواقع الاجتماعي أكتب هذا وأنا في مخيلتي وضع اللاجئين السوريين في الدول المجاورة لسورية وغيرها وما قرأته وشاهدته من خلال الشاشات والفيديو من مآس وانتهاكات رغم الظروف المرعبة وغير الإنسانية التي يعيشونها.
كل هذا والأموال والأسلحة تتدفق لهذا البلد الجريح مثل الأنهار ودون حساب كي تستمر عملية القتل والإبادة في صراع خيوطه كونية وأدواته شرق أوسطية.