اليوم الوطني وإدارة النسيج المتنوع
اليوم الوطني مناسبة مدنية يحتفل بها أبناء كل بلد في يوم التأسيس أو الاستقلال من احتلال أو استعمار، وفي هذه المناسبة الوطنية المبهجة المفرحة يعبَّر المواطنون فيها عن مشاعرهم الفياضة تجاه وطنهم وحبهم له، في حين تستثمر الدول هذه المناسبة لتعزيز الروح الوطنية والتعريف بمفاهيمها الحقيقية العميقة والاستفادة منها كمناسبة سنوية لعرض ومراجعة ما فات من الإنجازات وما هو على أبناء الوطن القيام به في القادم من الأيام والسنين ليكون الوطن في مصاف الدول المتقدمة.
وأعتقد أنه من أكبر التحديات التي تواجهها أوطاننا في الشرق الأوسط هو تحدي إدارة النسيج الاجتماعي المتنوع في كل الدول والذي يتدافع بشكل طبيعي وتلقائي بل ومفيد كما أوضح سبحانه وتعالى "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين" البقرة ــــ آية (251)، فالتدافع الذي يطلق عليه منظرو العصر الحديث "الصراع" مفيد ما لم يتجاوز الأنظمة والقوانين التي تمنع التحريض والتطرف والعنف اللفظي والمادي، ولذلك فإن الفكر السليم يقوم اليوم على إدارة الصراع بين فئات المجتمع الواحد والمجتمعات الأخرى لا القضاء عليه ذلك أن القضاء عليه مشكلة كبرى تؤدي إلى فساد الأرض.
في إحدى الإذاعات استمعت إلى لقاء مع شخصية فكرية تتحدث عن الوطنية والوحدة ومشاكل الفرقة وكيفية التصدي لها وقال حينها "إن مجتمعنا من نسيج واحد ولا أعرف من أين أتتنا هذه المسميات الاجتماعية والسياسية والدينية والمناطقية كسلفي وإخواني وليبرالي وعلماني وسني وشيعي وجامي وغيرها. إنها مسميات ما أنزل الله بها من سلطان، وعلينا أن ننبذها ونقضي عليها"، ولا أخفيكم أنني ضحكت كثيراً على هذا القول وأدركت أن صاحبنا يؤمن بفكرة القضاء على التنوع لا إدارته وهي فكرة فاشلة أدركت الدول المتقدمة عدم جدواها منذ أمد بعيد واتجهوا بدلاً عن ذلك لإدارة التنوع لتحفيز الإنتاج والإبداع في إطار المنافسة الشريفة والنظام والقانون الذي يلتزم به الجميع ولا يعلو عليه أحد مهما كانت مكانته أو منصبه.
لا أحد يستطيع أن ينكر أن النسيج الاجتماعي والديني والفكري السياسي متنوع في بلاد الشرق الأوسط فهناك المسلم والمسيحي، والسني والشيعي، والعربي الأصل وغير العربي، والإسلامي والعلماني والاشتراكي والليبرالي، وهناك السلفي والإخواني والسلفي العلمي وغير ذلك، وهناك البادية والحاضرة، وهناك أبناء المناطق فهذا نجدي وذاك حجازي وشمالي وجنوبي وشرقي، وهناك أبناء القبائل والعشائر وهناك ممن هم ليس كذلك وهكذا.
لا شك أننا في المملكة لسنا بمعزل عن العالم ولسنا بشرا ذا خصائص تختلف عن بقية البشر فلدينا هذا التنوع أيضاً ولكن بفئات وبنسب مختلفة عن بقية الدول، ولكل دولها ظروفها ومعطياتها وأدواتها في التعاطي مع هذا التنوع النسيجي لاستثماره في تحفيز الإنتاج والإبداع والتسارع في معدلات النمو والتقدم بدل أن يستثمره الآخرون في تفريق البلاد والعباد وتشتيت شمل أبنائها.
أيضاً يجب أن نعترف، إضافة إلى اعترافنا بتنوع النسيج الاجتماعي، أن هناك من يغتنم تنوع النسيج من الخارج لمصلحته لاختراق الدولة المعادية له أو لتمرير أجندته إذا كان هناك فجوة بين الواقع والمأمول لأي جزء من مكونات النسيج المتنوع، وأقول فجوة بين الواقع والمأمول في التعامل النظامي والقانوني، بمعنى أن يكون هناك تمييز من أجهزة الدولة على أسس أخرى غير المواطنة. بكل تأكيد إذا اعترفنا بالواقع وشخصناه التشخيص السليم نكون قد وضعنا أقدامنا على طريق التقدم ومعالجة المشاكل والتصدي للقضايا الدائمة في كل المجتمعات كالبطالة والإسكان والصحة والتعليم والبنى التحتية وخدمات الكهرباء والماء والطاقة بشكل عام.
أعتقد أن مشكلتنا الأساسية هي مشكلة مفاهيم، نعم فمن يفهم أننا نسيج اجتماعي ذو لون واحد وإذا كنا متنوعين فهذا مخطئ وعلينا تصويبه لأنه بكل تأكيد سيؤدي بنا إلى المجهول لأنه إن لم يستطع تحقيق هذه الغاية بالأدوات السلمية من حوار وتعليم وتثقيف وغير ذلك سيتجه إلى الأدوات القمعية وغير السلمية وغير الإنسانية أيضاً وهنا تتفاقم المشكلة وتزداد الفجوة بين مكونات النسيج الاجتماعي المتنوع ما يُمكِن المتربصين من اختراق المجتمع بسهولة وتفتيته وإدخاله في مشاكل لا حصر لها والأمثلة حولنا كثيرة ومتعددة.
أجزم بأن أول ما نحتاج إليه أن يقوم الإعلام بدور وطني كبير للتأكيد على تنوع النسيج السعودي، وأن هذه سنة الله في خلقه كما أوضح في سورة هود "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118)"، "ولكم دينكم ولي ديني" ، و"لا إكراه في الدين"، وبالتالي فإن الأصل في التعامل في الدول القطرية الحديثة بين الدول والمواطن يقوم على المواطنة فلكل مواطن حقوق وعليه واجبات، وبالتالي يستقطب الإعلام المفكرين ممن يدركون هذه المفاهيم لعرضها على المواطنين وإبراز مشاكل النسيج ذي اللون الواحد مقابل النسيج المتنوع، ذلك أن اللون الواحد يؤدي إلى الكسل والخمول والتراخي، بخلاف التنوع الذي يؤدي للمنافسة والتحدي والعزيمة والابتكار والإبداع للتميز وتحقيق الأفضل على مستوى كل فئة اجتماعية.
ختاماً أتطلع إلى أن يلعب مركز الحوار الوطني مدعوما بالإعلام دوراً وطنياً كبيراً وبمهنية واحترافية عالية جداً لتحقيق الترابط الأمثل بين مكونات النسيج الاجتماعي السعودي في إطار المواطنة والنظام والقانون ليلعب التدافع بين فئات المجتمع السعودي دوراً كبيراً يعزز التقدم في الإنتاج والابتكار والإبداع كما هو الحال في الدول المتقدمة.