عناصر قوة الأمم
قوة الأمم والمجتمعات في الوقت الراهن تتمثل في ستة عناصر هي الأبرز بين عناصر القوة الواجب توافرها لأي مجتمع حتى يتمكن من المحافظة على تماسكه ومكتسباته وثرواته. هذه العناصر تتمثل في القوة السياسية من خلال الأداء المتزن والفعال والحكيم الذي تتعامل به المؤسسة السياسية مع الأحداث والظروف وبما لا يحدث إرباكاً أو عجزاً في التعامل مع الأحداث، وفي الوقت نفسه يكون التوازن. العنصر الثاني هو الاقتصاد كما يتمثل في مصادر اقتصاد جيدة كالمعادن، والصناعة، والزراعة أو اقتصاد التجارة والخدمات التي قد يبدع فيها بلد حتى لو لم تكن لديه مصادر طبيعية لكن موقعه والخبرة التي يمتلكها تؤهله ليكون ذا اقتصاد قوي.
عنصر القوة العسكرية لا يجادل أحد في أهميته، وقد أخبرنا التاريخ أن أمماً سيطرت على أمم أخرى واتسع نفوذها لقوتها العسكرية، إذ بالقوة العسكرية يمكن إخضاع الآخر للنفوذ وإجباره على إجراءات وممارسات تخدم صاحب القوة. في عصرنا الحاضر، أصبحت القوة المعرفية أساساً وبوابة لكل عناصر القوة الأخرى، فبالعلم والمعرفة يزدهر الاقتصاد، والصناعة، والزراعة، والتجارة، وتتحسن الصحة العامة، وتكتشف الموارد، ويدرب الأفراد على مهن وصناعات تؤهلهم للإنتاج والعطاء، وبالعلم يتحقق البناء العام، حتى أن بعض الدول أصبح اقتصادها يقوم على المعرفة، وأصبح اقتصاد المعرفة مصطلحاً شائعاً ويدرس في الجامعات والمعاهد العليا.
قوة الإعلام وسطوته أصبحت جلية، إذ بالإعلام تتغير الأفكار والاتجاهات، وبالإعلام يتغير السلوك، وبه تتغير القيم والمفاهيم، وما قد يكون مرفوضاً في فترة زمنية يتحول إلى أُمنية ومطلب، وذلك بفعل سحر الإعلام، حتى إن كان ما يقوم به بعيداً عن الحقائق. إعلام الوقت الراهن أصبح ذا هيمنة وتأثير قوي وسريع، ومن خلال الإعلام يتم تحريك الجماهير، وما شهدته الساحة العربية خلال السنوات الثلاث الماضية أكبر شاهد.
قوة العقيدة تمثل حجر الأساس في عناصر القوة التي لا بد لأي مجتمع من الانطلاق منها، والعقيدة أو الأيديولوجيا قد تكون ربانية، أو من صنع البشر وتأليفهم كما في الرأسمالية، والاشتراكية بما تتضمنانه من مفاهيم، وقيم تشكل في مجموعها منهج حياة للمجتمع ويأخذ بها معظم أفراد المجتمع.
المجتمع الذي تتوافر له هذه العناصر يفترض أن يكون قوياً وذا نفوذ، لكن ليس بالضرورة توافرها جميعاً، وقد يتوافر أحدها ويكون سبباً في توافر العناصر الأخرى، لكن هذا ليس شرطاً لازماً، إذ قد لا يحسن استثماره وتوظيفه. قوة المعرفة في اليابان أصبحت سبباً في قوة اقتصادية فائقة، وقوة سياسية مكنتها من لعب دور قوي على الساحة الدولية خاصة فيما له علاقة بالاقتصاد، ورغم تكبيلها في اتفاقيات دولية بعد هزيمتها في الحرب العالمية، إلا أنها ذات قوة عسكرية جيدة، ويمكن أن تبدع وتتفوق لو تخلصت من قيود الاتفاقيات.
قوة أي مجتمع تنطلق في الأساس من قوة الفرد، والفرد لا يمكن أن يكون قوياً إلا بالعلم والتدريب وتشرب عقيدة المجتمع العامة والالتزام بقيمه، والمحافظة على أنظمته وقوانينه.
المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير، قوة المؤمن تتحقق في تفكيره، وعلمه، وعقيدته، ومشاعره واتجاهاته، وفي المهارات التي يكتسبها وتكسبه قدرة على الإنتاج.
نجاحنا في تقوية أفرادنا نجاح للمجتمع، وتحقيق لقوته في كل المجالات، وبالفرد القوي نحقق اقتصادياً ناجحاً، وسياسياً فذاً، وكاتباً بارعاً، وأستاذاً مقتدراً، وإعلامياً مؤثراً، والفرد لا يمكن أن يكون قوياً ما لم يتسلح بالعلم والمعرفة.