رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لا .. للمساس بمنجزاتنا

لا يخفى على أحد ما للوطن من مكانة رفيعة في قلوب البشر. فالإنسان يحن للمكان الذي ولد فيه، وعاش على أرضه، واستنشق هواءه، وسار على عرصاته. الوطن مسرح الطفولة، ومرتع الصبا، وأرض الإنتاج والجني، وقبورنا ونحن تحت الثرى. وقد بين ديننا الإسلامي أهمية الأوطان وبين لنا تاريخ صدر الإسلام أن أهم تضحيات الصحابة هي هجرتهم من ديارهم حينما تركوا وطنهم مرغمين ولم يحملوا معهم سوى الذكريات فداسوا على حنينهم، ووأدوا مشاعرهم، وخنقوا حبهم لوطنهم. وقد برع الشعراء والأدباء في التغني بحب الأوطان فمنهم من ربط الوطن بالحياة ومنهم من ربط الوطن بالأمل العذب ومنهم من ربط الوطن بالروح.
ورغم كل ما نعرفه عن ارتباط الإنسان بوطنه وعشقه لترابه وتضحيته من أجله إلا أننا نرى ما يخالف هذه الفطرة وينقض هذه القاعدة فيصيبنا بالحيرة. إن ما نراه من فوضى عارمة وتخريب متعمد أيام الاحتفال بيوم الوطن من فتية ينتظرون هذا اليوم لممارسة سلوكيات مشينة ومنكرات قبيحة تجعلنا نقف حيارى مذهولين ونظل نسأل أنفسنا: لماذا يفعلون كل هذا في يوم ذكرى توحيد البلاد؟ تمر علينا أعياد ومناسبات نمارس فيها طقوسنا ونفرح بأعيادنا بهدوء دون تجاوزات أو انحرافات. فهذا عيد الفطر وعيد الأضحى نتبادل فيهما التهاني ونهدي لبعضنا الحب، كل يفرح بطريقته بكل هدوء ووقار وحب دون أن نتسبب في أذى أحد. ترى البِشر في محيا الناس والفرح يخرج من عيونهم والسعادة تنعكس على سلوكياتهم تمر أيام الأعياد بيضاء ناصعة كأسراب الحمام. إلا أن هذا السلوك الراقي وهذا المنهج الحضاري لا نراه أيام الاحتفال بذكرى وحدة الوطن. فنرى سلوكيات مشينة وتصرفات مريبة خصوصا من فئة الشباب في اليوم الوطني. منهم من يغير خلق الله فيطلي نفسه من رأسه حتى أخمص قدميه بالأخضر والأبيض، ومنهم من يطلي وجهه وسيارته التي اشتراها بالتقسيط بكل ألوان الطيف. صنف آخر نراهم يعيثون في الأرض الفساد فيتعدون على مرافق الدولة من أسواق ومحال تجارية مرموقة يحطمون مداخلها ويرمون نوافذها ولا ندري ما علاقة هذا بالفرح والاحتفال بوحدة وطن؟ صنف آخر يتعدون على الحقوق الخاصة وحدود الأدب مع غيرهم من المواطنين والمقيمين فيرفعون أصوات الموسيقى الصاخبة ويتراقصون يمنة ويسرة تراهم سكارى وما هم بسكارى. ولم يبق الوضع عند هذا الحد، بل تعداه إلى السجال مع رجال الأمن والإنكار عليهم لماذا يقيدون حركتهم ويخنقون فرحتهم في اليوم الوطني؟ فهم يرون أن لهم الحق أن يفعلوا ما يشاؤون وأن يحطموا ما يرون بحجة أن هذا يوم الوطن، ولم أر رجال الأمن في حيرة مثل حيرتهم إبان احتفالات اليوم الوطني فلا يدرون هل هؤلاء الفتية هم بالفعل مواطنون أو مخربون؟ وهل هم بالفعل يفرحون أو يعبثون؟ هل هؤلاء جادون أو أنهم يهزلون؟
والسؤال الذي يحير الألباب: لماذا يفعلون ذلك؟ لماذا يتعمدون التخريب ويستهويهم العبث في اليوم الوطني؟ لماذا يحطمون زجاج المحال والسيارات؟ لماذا يرغمون الناس على الرقص بحجة أن هذا هو اليوم الوطني؟ لماذا ينتقمون من إنجازات الدولة في يوم الوطن؟ لماذا يتصرفون كذلك؟ هل بلغ حب الوطن شغاف قلوبهم؟ أم أنهم يستغلون الأفراح للانتقام من بعضهم والإخلال بالأمن للوصول إلى مآربهم؟ هناك أسئلة متعددة تجول في الأذهان عندما يقترب اليوم الوطني نقف جميعنا أمامها حيارى تائهين. ونريد بالفعل من المختصين أن يضعوا مثل هذه الظاهرة تحت الدراسة ويخبروننا عن أسباب هذه التصرفات؟ ومن يقف وراءها؟ وهل هم مواطنون أو وافدون؟ وإن كانوا بالفعل مواطنين فلماذا يتصرفون بهذا الشكل؟
هناك أسباب نراها منطقية قد تفسر لنا جزءا مما نراه من شطحات فئة من شبابنا إبان الاحتفال باليوم الوطني، يلجأ هؤلاء الصبية إلى الخروج على قوانين البلد لدرجة أن الأنظمة تتعطل في ذلك اليوم وتتحول المدن إلى فوضى عارمة تخرج عن السيطرة كأن ليس بها قانون وكأن هؤلاء أتوا يدمرون بكل ما لديهم، فالوقت لا يسعفهم فهو يوم واحد عليهم أن يستغلوا كل ساعة وكل ثانية للتدمير والتخريب تحت غطاء الفرح والاحتفال.
أرى أن الأمر لا يخرج عن سببين جوهريين. الأول أن هؤلاء العبثيين لا يعلمون كيف يفرحون، وأن الفرح عندهم يعني التدمير والتحطيم والعبث والتعدي على رجال الأمن، ولو أنني استبعد هذا فهناك مواسم أفراح لا نرى مثل هذه السلوكيات تظهر. أما السبب الثاني - وهو أقرب إلى الواقع - أن هؤلاء لا يمارسون الفرح بالفعل، بل يتظاهرون به كي يستغلوا هذا اليوم للتدمير وللتخريب تحت مظلة حب الوطن. ومن يستغل اليوم الوطني للتخريب ما هم إلا مجموعة من المفسدين العبثيين يستغلون إعلان الدولة بتذكير نعم الله على هذه البلاد للنيل منه.
وأيا كان السبب فإن ترك الأمر كما هو عليه عواقبه وخيمة وفيه مخاطر جمة، ولو تعود هؤلاء العبثيون أن يمارسوا مثل هذه السلوكيات أيام الأعياد الوطنية فستصبح مع مرور الوقت قيما وأعرافا اجتماعية يصعب التخلص منها وبهذا نترك المنجزات والمرافق لمجموعة من المخربين تغاضينا عنهم فاعتادوا على الفوضى والتخريب.
أرى أنه يجب الأخذ على أيديهم وتقويم سلوكياتهم وتعليمهم كيف يفرحون إن كانوا بالفعل يريدون أن يفرحوا. فهذا وطننا وتلك إنجازاتنا بنيناها بأيدينا وبأموالنا ولم يتفضل أحد بها علينا عبر سنين، ولن نسمح لأحد أن يمسها بسوء حتى لو كانوا أبناءنا. إنه الوطن الغالي فيا شقاء من لا وطن له، والويل لمن لم يقدر مكان عيشه وانتمائه ووطنا يلجأ إليه بعد الله في شدته وبأسائه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي