التدريب .. ضمانة للإحلال
عند مشاركتي في أول اجتماع لمجلس الأعمال السعودي - الأمريكي في لوس أنجلوس، تحدث الدكتور توفيق الربيعة وزير التجارة والصناعة، عن ضرورة تبني فكرة عمل الطلبة بعد تخرجهم في الجامعة لمدة سنة على الأقل في شركات لكسب ثقافة العمل.. ولو أخذنا تصوره وكونا لجنة مشتركة من وزارتي العمل والتعليم العالي وتكمن مهمتها في تحديد شركات عالمية ومحلية تتبنى عمل الطلاب كمتدربين وتكون إلزامية، وتمول بمكافآت من صندوق تنمية الموارد البشرية ضمن ضوابط معينة ممكن قياسها، أي بمعنى أن يكون الطلاب في أعوامهم الأخيرة أقرب إلى طلاب الطب، الذين يتدربون بشكل مكثف قبل تخرجهم والتحاقهم بالعمل الوظيفي رسميا.
هنا أعتقد أننا سنحقق هدفين مهمين للشاب والشابة من خلال ممارستهما العمل، يتمثل الأول في إيضاح الصورة لديهما بشكل أكبر عن كيفية العمل وآلياته، أو بالأحرى ثقافة العمل، أما الهدف الثاني فيتمحور حول تسهيلنا لوزارة العمل إحلال الشباب من الجنسين في وظائف، وفقا لتخصصاتهم وبعد التأكد من تأهيلهم وظيفيا، وفي الوقت نفسه إغلاق الأبواب أمام الجهات محل التوظيف من الشكوى بعدم ملاءمة هؤلاء الشباب للعمل.. هذا داخل المملكة أما خارجها، فالمكسب ثقافة التعامل مع أصحاب العمل والثقافة العملية للدول الأخرى، إضافة إلى ما سبق.
إن الوقت الراهن يحتم علينا إعداد الموارد البشرية السعودية، وتأهيلها بشكل فاعل لتصبح منافسا عالميا في سوق العمل ومجالات البحث العلمي ورافدا مهما في دعم الجامعات السعودية والقطاعين الحكومي والأهلي بالكفاءات المتميزة، إضافة إلى العمل على إيجاد مستوى عال من المعايير الأكاديمية والمهنية، وتبادل الخبرات العلمية والتربوية والثقافية مع مختلف دول العالم، إلى جانب رفع مستوى الاحترافية المهنية وتطويرها لدى الكوادر السعودية.. وهنا لا بد ألا نقتصر على جهات معينة لإيجاد الوظائف أو التوظيف لتحديد احتياجات سوق العمل، بل نتعداها لتكوين فريق عمل ولجنة مشتركة واستشارية من جميع الجهات الحكومية والخاصة والشباب أنفسهم، لتحديد التخصصات المطلوبة، كي تستفيد جميع القطاعات، كما أن هذا التنسيق لا بد أن يتعدى برنامج الابتعاث الخارجي، ليصل إلى جامعاتنا ومعاهدنا في الداخل، وإيجاد فريق عمل متكامل يعمل على حصر التخصصات التي تحتاج إليها سوق العمل بالأرقام والنسب، وبالتالي تقوم الجامعات والمعاهد بدورها في تلبية هذا الاحتياج، حيث الواقع يدل دلالة واضحة على أن هناك خللا في بعض مخرجات التعليم في المملكة، لذلك لا تتوافق هذه المخرجات مع سوق العمل، وبالتالي يبحث القطاع الخاص أو غيره، عما يستطيع الاستفادة منه في أعماله، عن طريق استقدام العمالة المدربة من الخارج.. ومع الأسف لم نراع هذا الموضوع بالنسبة للمناهج الدراسية، من خلال تطويرها كي يستفيد منها الشباب السعوديون في حياتهم العملية، والدليل أنه حتى الآن لم تركز بعض مناهجنا التعليمية على ما يتوافق مع سوق العمل.. وهناك آلاف الخريجين الجامعيين من دون عمل.
لا بد أن نعمل بشكل واقعي على التركيز على التخصصات التي نحن بالفعل في حاجة إليها، وتخدم المجتمع وطالب العمل في آن واحد، فما الفائدة من أن نفتح الجامعات والكليات والمعاهد، لجميع خريجي الثانوية العامة، ويقبلون أو يرغم بعضهم على دراسة تخصصات لا يستفيد منها لا هو، ولا المجالات التوظيفية، أي في نهاية المطاف المحصلة صفر. ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تفعيل دور وزارة التخطيط وقيامها بالدور المأمول منها من خلال رسم الخطط الاستراتيجية وتحديد الموارد المحققة لها التي من ضمنها المورد البشري.