التجربة وقوتنا الناعمة .. لخطاب جديد
تتسارع الأحداث السياسية في المنطقة، وخاصة تلك التي تحمل انعكاسات مباشرة على الحالة المجتمعية في كل الدول، خاصة أن التفاعل بين الداخل والخارج وبين العاطفي والمادي وثيق، نظرا لصغر حجم هذه المجتمعات وقلة عمقها المؤسساتي (الدولة القطرية).
منذ 1979 وأحداث المنطقة تتسارع إلى درجة أن رصدها ومحاولة فهمها في سياق تاريخي يصعب حتى على المؤرخ، ناهيك عن تجاذب أهواء وآراء السياسيين والمجتمع التحليلي صحافيا أو أكاديميا.
النسيج المجتمعي في المملكة فريد على أكثر من مستوى، فالمملكة بدأت حقبتها الوطنية منذ مسيرة التوحيد الأخيرة كدولة رسالة ثورية، وتطبعت مدنيا مع تعمق التجربة وحققت نجاحات معتبرة مع الحقبة النفطية، وازداد نجاحها وضوحا مع فشل دول المنطقة، إلى أن وصلنا إلى ما يسمى الربيع العربي. أحد إفرازات الربيع العربي التساؤل حول دور الإسلام السياسي خاصة، وتشكل الخريطة السياسية في المنطقة وتراكم اللوم على أداء نخب المنطقة تنمويا. ففي الوقت الذي حققت المملكة مستويات مادية مقبولة لأغلب الناس، إلا أنها في الأخير تعيش في إقليم لا تزال الدول القطرية فيه هشة من ناحية، وتداخل الأيديولوجي مع القومي يتعدى الحدود من ناحية أخرى.
هذه بيئة ضاغطة بطبعها، خاصة أن التركيبة السكانية شابة، وأن عصر المعلومات في تناغم مع طبيعة العرب الكلامية في ظل ضعف إنتاجية مزمن. هذه المقومات لا تسمح بنمو اقتصادي حقيقي متواصل، بحيث يستطيع تدريجيا استبدال المنظومة القديمة بما يحمل هذا الاستبدال من استحقاقات مؤسساتية. فالخطر ماثل لمن لا يستطيع إعادة تأهيل الخطاب القادر على التكيف مع البيئة الجديدة. التحدي أن تستطيع التغيير للمحافظة على ما لدينا من نجاحات لمواصلة العطاء وليس الهدم كما حدث في الدول المجاورة. في كل حقبة تتراكم معطيات جديدة فكرية ومادية تجعل من الخطاب المجتمعي غير معبر عن الحالة الجديدة. لا بد أن تأخذ زمام المبادرة دون أن تغرق في الماضي، فلا تستطيع محاكاة المستقبل. إعادة تأهيل الخطاب تتطلب تفهم أبعاد البيئة الجديدة مثل فرز الأيديولوجي من القومي، والثابت من المتحرك، والتكتيكي من الاستراتيجي، والتعويضي من التنموي. رغبة القيادة وتوظيف المقومات المادية والمعنوية والنقاش الصريح بين المؤهلين، هي القاعدة لإعادة تأهيل الخطاب. أتت كلمة خادم الحرمين على لسان وزير الداخلية، لتعطي رسالة تتضمن فهم هذه الاستحقاقات المرحلية.
ليس لدي تصور واضح لإعادة صياغة خطاب شامل يستطيع استيعاب الأبعاد الاستراتيجية بشمولية وترجمته إلى منظومة سياسات، خاصة أن المملكة ليست دولة بالحجم الذي تستطيع أن تشكل الإقليم، كما أنه ليس لدينا العمق الفلسفي والمعرفي بغرض إعادة صياغة القاعدة الفكرية، ولكن لديها التجربة والمقدرات المالية وعناصر قوة ناعمة. استخلاص هذه كافٍ لإعادة صياغة الخطاب ليأخذ منحنى وطنيا في ظل إطار ثقافي إسلامي يكون بمثابة الغلاف الحامي.
ما لم تقبله العقلية العربية اليوم هو دور الماكينة الاقتصادية في أولويات المنظومة الفكرية، فالعربي ما زال سجين هوية الإطار الأيديولوجي، بينما العالم في إطار آخر. الخطاب الجديد خطوة أولية لفتح أفق جديد.