رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المغرب العربي معذرة

حين تغرب الشمس عن المغرب، لا يبقى بلد عربي تطل عليه الشمس، هي هكذا قصية بعيدة، لذا من بعد الفاتح عقبة بن نافع ـــ رضي الله عنه ــــ كانت المغرب الملاذ، والحلم الجميل، والخلاص.
ملاذ الأندلس هي المغرب التي فتحت لهم قلبها الكبير، وسواحلها الممتدة، وكرمها ــــ الغامر.. ''حي الأندلسيين''. والمكان الذي أوى إليه عبد الله الصغير آخر ملوك الأندلس، الذي لا ينتهي ما جرى له، وما جرى عليه، وما رفعه، وما وضعه، وما صعد به، وما غار، سبب في نكسه وانتكاسته، إلا أن المغرب وترابها وأهلها كان الرحمة الأخيرة التي تنزلت عليه بردا وسلاما حتى ضمه ترابها ووقف عليه شاهد قبره الباذخ الجمال، ورخامة بيضاء محفور عليها اسم أكثر القلوب حزنا وشتاتا حتى مضى عبد الله الصغير، الذي سأعود إليه لكي أنشر ما انطوى عنه، في الغاديات من الليالي والأيام إن شاء الله تعالى.
إدريس الأول من نسل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.. بعد أن قتل كل آله في مجزرة ''فخ'' على يد العباسيين، وجد الطلب لرأسه، والبحث عنه، وتعالت الجائزة للرأس حيا أو ميتا.. فخرج تلقاء هذا الملاذ وهذا الحلم الجميل، وهذا المهرب الكريم - المغرب - وتحديدا في مدينة ''فاس'' التي أحبته، وحمته، ورفعته حاكما ترفرف عليه بالسمع والطاعة حبا في رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم ــــ حتى قام فيها ابنه ــــ إدريس الثاني - اللذين بهما تكونت دولة الأدارسة وهي قصة ذات بال، في جني خلاصتها، وعصارة تجاربها، والمآل والمصير، وكذا المشاعر التي تسببت فيما لا يرغبه أحد، والفكرة التي تتلف صاحبها وهو يحسب أنه يحسن صنعا.
المغرب هي الملاذ.. وهي الخلاص. عقبة بن نافع حين جاء للمغرب لم يأت سائحا يكتب عن تاريخ الأمصار والبلدان ــــ جاء ليكمل بهذا الجزء من العالم العربي.. مغرب الشمس، اتجه نحو السهول، اتجه، حيث ــــ مدينة القيروان ـــــ هذا عناد من يموت بنجاح ولا يعيش بفشل، ألا يظل نصف منتصر، ولا نصف مهزوم. إما قاتلا وإما مقتولا.. إما فاتحا على جوانبه الشرف العظيم.. وإما شهيدا دون ذلك يرفعه الله إليه قبل سقوطه على الأرض.. وقد كان في أم الكتاب أجله شهيدا في عام 683 ميلادية. إلى أن قيض الله للمغرب موسى بن نصير فاتحا عربيا بخيول جموح، ورجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فنصرهم الله وأيدهم بنصره ومدده. وتم ميقات الله بهذا الملاذ والحلم الجميل وتمام مغرب الشمس.

المغرب كرم الفقراء
ربما لن تجد بلدا عربيا ظلمت فضائله كالمغرب العربي، ومن العسير أن تلاحظ الصورة الإيجابية المذهلة لهذا الشعب العظيم والشريف هذا الكرم الرفيع، الذي يشاطرك أرغفة خبزه على قلة ذات اليد، ويفتح لك باب بيته، ويدفئك بناره، ويجعل منك شرفا تنزل من السماء، أو هو شرف صاعد إليها.

بلد التدين العظيم
كل قاصد يبلغ قصده، ومن طلب وجد ما يطلبه ولو في جوار البيت المعمور بالملائكة والذاكرين، ولكل سائح وجهة هو موليها، فإن تحدث عن بلد بأمر معيب، فعن قصده تحدث، وإن وصف فذاك ما طلب. وإلا فإن الطهر في أهل المغرب، والعفة منهم، والكرم فيهم.. أكثر من غيرهم في بلدان كثيرة من العالم العربي والإسلامي. وإن الإسلام والتدين في أصوله وفروضه وآدابه وأحكامه، ما تخطئه عين، ولا يحتاج إلى بحث عنه. فهو ظاهر جلي. في مآذنه وبيوت الله وصلواتها، وطيب أهله الذي جل أن يوصف.
يشعر المرء بالحزن البالغ غيرة على هذا البلد المسلم، وهذا الشعب العربي الشريف والأصيل، وكتابه وعباقرته وعماله وفلاحيه البسطاء والطيبين.. أمام كل هذا الذي يتعرض له من حملات عمياء ورعناء، في سلبه محاسن نفسه، وصفات الجمال فيه، واختزاله في صورة سياحة المخالفات، ولعمري ما ينطبق على المغرب من سقط الأفعال، ينطبق على كل البلدان العربية وبعض الخليجية، دون استثناء وبلا فاصلة. وسلوك بعض المغاربة كسلوك سائر بلدان السياحة في كل زمان ومكان، ولا يخلو منها مدينة سياحية.
إلا أن هذا الملاذ والحلم الجميل، وهذا التاريخ العظيم، وهذا الشرف الرفيع في المغرب العربي.. لا يزال يُظلم، ويجب إنصافه، ويجب الدفاع عن كرامة أهله، فلهم علينا حق الإسلام والعروبة والرحم.. ويجب أن نرى الجانب الأكبر، في شعبه العظيم بكل الكبار منه، بكل عباقرته، بكل صبره، بكل كفاحه، بكل فقره الشريف، بكل خضرته، وجماله. والمدى المفتوح لقلوب أهله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي