رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


زيادة رواتب موظفي المدن الصغيرة لحل الازدحام في المدن الكبيرة

مع عودة الطلاب إلى المدارس والجامعات أفاقت الرياض على ازدحام شديد في شوارعها برغم ما تم افتتاحه من مشاريع وتطوير، زحمة تشعرك أن تعداد المدينة ازداد بنسبة كبيرة خلال هذه السنة، فتعداد السكان وفقاً لموقع الأمانة العامة لتطوير مدينة الرياض قد بلغ أكثر من 5.7 مليون لهذا العام 1434هـ، وذلك بمعدل نمو يزيد على 5 في المائة وهو معدل مرتفع فعلاً، خاصة إذا علمنا أن معدل النمو في الناتج المحلي للمدينة يبلغ أقل من 4 في المائة، ومعدل الوظائف أقل من 4.5 في المائة، فإن الرياض تواجه مشكلة يجب الوقوف أمامها ومعرفة أسبابها وكيفية حلها. ولعل المشكلة تتضح مع معرفة مصدر الزيادة السنوية الكبيرة في تعداد مدينة الرياض، فلقد زاد عدد السكان من 4.1 مليون عام 1425هـ ليتجاوز خمسة ملايين مع نهاية عام 1433هـ، ومن المتوقع أن يتجاوز ستة ملايين نهاية عام 1435هـ. أي أننا أمام أكثر من مليوني إنسان في عشر سنوات، وإذا عرفنا أن هذه هي الإحصاءات الرسمية، فكيف إذا علمنا بوجود الآلاف ممن لم تشملهم تلك الإحصاءات لأسباب عدة. لماذا يزداد السكان بهذه الطريقة؟ لعلي أكاد أجزم أن الهجرة من المدن الأخرى إلى الرياض هي أكبر هذه الأسباب.
ولأنني من أبناء الجنوب الذين انتقلوا للعمل في مدينة الرياض فسوف أقوم بشرح وجهة نظري من خلال هذه التجربة، ولعل هناك تجارب أخرى وأكثر وأفضل لدى القراء. فمن المعلوم أن تعداد طلاب جامعة الملك خالد في الجنوب قد تجاوز 70 ألف طالب وطالبة، في تخصصات شتى، وبينما لم تحمل مدن الجنوب أي طابع تجاري أو صناعي أو حتى زراعي ''حالياً على الأقل''، فإنه من المستحيل أن تنجح المنطقة في امتصاص كل هؤلاء الخريجين، أو أن توفر لهم لقمة العيش والعمل المناسب، ومع طول الانتظار بحثاً عن وظيفة في مدن الجنوب سيقرر الجميع البحث عنها في الرياض العاصمة، التي تنمو سنوياً بمعدل 5 في المائة، وتوفر نمواً في الوظائف بمعدل 4 في المائة. لكن ليس كل قادم إلى الرياض سيجد تلك الوظائف ويحقق تلك الأحلام بسهولة، فالسوق مشبعة، ولذلك تبقى الطرق مليئة بالباحثين عن عمل يتنقلون من هذه المؤسسة إلى تلك.
أمر آخر من أسباب الانتقال إلى الرياض من مدن الجنوب، وهو الترقية الوظيفية، فالسلم الوظيفي هناك يضيق بساكنيه كلما صعدت إلى أعلى حتى لا مجال أمام الطامحين إلا الانتقال إلى المركز للحصول على الترقيات والفوز بالوظائف المرموقة. بل الأدهى أن جميع الوزارات والدوائر الحكومية عندما تقدم ترقية للموظفين في الفروع، وخاصة إلى المراتب التي تعلو التاسعة، فإنها لا توفرها بعدد كافٍ إلا في المركز الرئيس بالرياض. ولهذا فمع البدء في تنفيذ الموازنة كل عام يتدفق على الرياض الآلاف ممن تمت ترقيتهم إليها. وهكذا يأتي إلى الرياض الآلاف من طالبي العمل من خريجي الجامعات في المدن الأخرى وخاصة الأطراف، ومن الذين تمت ترقيتهم إلى وظائف أعلى.
وإضافة إلى الهجرة الدائمة هناك هجرة مؤقتة إلى الرياض، فهناك الكثير ممن أجبرهم المرض وتكرار مواعيد المراجعة على المكوث في الرياض لمدة قد تطول وقد تقصر، وكذلك رجال الأعمال الذين يريدون إنجاز معاملاتهم ومستخلصاتهم، أو بناء علاقات تجارية مع الشركات والموردين الرئيسين في الرياض، إضافة إلى موظفي الدولة الذين لديهم دورات أو مؤتمرات أو مراجعة لإنجاز بعض المعاملات، كل هذا يضيف عدداً ضخماً من وإلى سكان الرياض، وهي أعداد غير محسوبة في التعداد بينما تشكل ضغطاً مستمراً على المدينة وطرقها وخدماتها.
لذا لا يمكن حل مشكلة ازدحام المدينة والضغط على الخدمات فيها بمجرد زيادة المشاريع وتطوير القائم منها فهذا سيجذب الناس أكثر، ولقد حاولت سنغافورة في ذلك، فتزايدت معدلات الهجرة إليها بشكل غير مسبوق وبدأت الخدمات لديها تتآكل بسرعة أكبر. فالحل الحقيقي يكمن في توقف عملية الهجرة بطرق مبتكرة، من أهمها زيادة رواتب الموظفين العاملين في المدن الصغيرة والمتوسطة غير الكبرى ''إذا جاز التعبير'' سواء في الحكومة أو الشركات العامة الكبرى بنسبة تصل إلى 35 في المائة، وتوسعة فروع الوزارات في تلك المدن، ورفع مستواها الإداري إلى وكالات، حيث يتم وضع وكالة في كل منطقة ويكون لها فروع في كل مدينة، هذا سيخدم في وقف والحد من ظاهرتين، الأولى وهي ظاهرة الانتقال للترقية وتحسين الدخل، والثانية هي ظاهرة المراجعة للوزارة في المركز. كما يجب أن يتم منح مزايا في تذاكر السفر عند الانتقال العكسي من الرياض إلى المدن الفرعية. قد يعتقد البعض أن هذا الحل سيتسبب في زيادة الإنفاق الحكومي، لكن هذا غير صحيح، فما سيتم إنفاقه في وقف الهجرة هو ما سيتم توفيره من مصروفات ضخمة تنفق على مواجهة آثارها في الرياض والمدن الكبرى الأخرى.
من المهم إجبار الشركات الكبرى، وخاصة المساهمة على فتح فروع كبيرة وبمستويات إدارية عالية في مناطق المدن غير الكبرى، فهذا سيخفف من حدة الانتقال وطلب الوظائف في الرياض، وسيرفع من الطلب على المدن المتوسطة ''إذا جاز التعبير''، فإذا جمعت كل أطراف هذه المعادلة فإن النتيجة هي الحد من ظاهرة الانتقال إلى الرياض، وأيضاً إنعاش النمو في المدن المتوسطة وخلق فرص وظيفية متنوعة هناك لمقابلة خريجي الجامعات وطلبات الترقية، كما سيقلل من عدد الرحلات إلى الرياض لمتابعة المعاملات الحكومية التي لن تنتهي. هذا جزء من الحل في نظري وهو نابع من تجربة شخصية، وعلى أية حال فلا بد من البدء في برنامج كبير وورش عمل تهدف إلى فهم الأسباب والاستماع إلى آراء الناس حول الحلول المناسبة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي