رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


نظرة فلسفية في الوضع العربي الراهن

الفلسفة باختصار تساعدنا على فهم واقعنا الاجتماعي من خلال تقديم تفاسير وأطر نظرية لما نحن فيه ولما يجب أن نكون عليه. بمعنى آخر، تسلط الضوء على الواقع الاجتماعي من خلال عيون غير عيوننا وبهذا تأخذ بيدنا كي نراه بطريقة مختلفة لتجنب مساوئه وتطويره صوب الأحسن. فمثلا نتعلم من الفيلسوف الفرنسي مايكل فوكو أن الفرد في المجتمعات الغربية قد فقد استقلاليته وصار تابعا، شاء أم أبى، لماكينة النظم الاجتماعية والصناعية والاقتصادية والإعلامية. حتى إن حاول فرد ما التشبث باستقلاليته وحرمته فإن محاولته تشبه الذي ينقش اسمه على الرمال على شاطئ البحر، حيث لا يمر زمن طويل حتى تأتي الأمواج وتزيل نقشه.
ويعلمنا إيمانوئيل ليفيناس أن الاستعمار ليس فقط احتلال بلد أو مجتمع ما من خلال نشر جنود مدججة بالسلاح. الاحتلال الحقيقي هو عندما يحاول القوي فرض خطابه وأسلوب حياته على الآخر أو يقبل الضعيف دون نقاش أو مقاومة خطاب وأسلوب حياة من هو أقوى منه ويصوغ لنا عبارته الشهيرة: "الإمبريالية الثقافية".
ويعلمنا جون دوي أن ما لدى أي مجتمع أو حتى فرد من فكر أو موقف أو ثقافة تساوي في قيمتها الإنسانية والأرضية والسماوية ما لدي مهما كان طالما لا يحاول أي طرف استخدام طرق غير إنسانية لفرض ما لديه على الآخر والحقيقة لن نصل إليها إلا من خلال الحوار المتوازن وفي حالة الاصطدام أو الخلاف نستطيع الاستعانة بلجنة من الحكماء. وقد أثّر دوي كثيرا في بناء المؤسسات الدولية وكذلك في شكل الإدارة والحكومة في الولايات المتحدة.
هؤلاء الفلاسفة الثلاثة ـــ ومن الوزن الثقيل ـــ تفتقر إليهم المكتبة العربية حيث ما زال أغلب أعمالهم غير مترجم إلى لغة الضاد، وليفيناس مثلا غير معروف بين الأغلبية الساحقة من المثقفين العرب.
بيد أن العرب كانوا من أكثر شعوب الدنيا حبا للفلسفة في العهود المشرقة من تاريخهم. كان خلفاء بني عباس مثلا ينفقون بسخاء منقطع النظير على ترجمة الفلسفة الإغريقية إلى العربية، ويقال إنه لم يبق كتاب في الفكر والفلسفة في ذلك العهد إلا ونقلوه إلى العربية وكانوا يزنون الكتاب المترجم ذهبا ويدفعونه للمترجم نقدا.
لم ينقل العرب الفلسفة فقط بل استوطنوها وجعلوها عربية وإسلامية من حيث الممارسة وليس النظرية فقط. وتوطين الفكر والفلسفة حتى الصناعة وغيرها من النشاطات الإنسانية علامة رقي ونهوض ومدنية ما زال العرب يفتقدونها بصورة مذهلة اليوم.
وتوطين الفكر شمل كل شيء حتى الأصوات اللغوية. فمثلا "سوكريتس" صار سقراط و"بليتو" صار أفلاطون وهكذا طوع العرب حتى لغتهم وصار بإمكانك أن تصوغ من كلمة أفلاطون عدة اشتقاقات لغوية مثل "أفلاطونيات وأفلاطوني" وغيرهما. والتوطين والتطويع شمل الفكر العربي أيضا ونظرته إلى كل مناحي الحياة الأخرى وحدثت نهضة فكرية كبيرة، كثير من تفاصيلها قد تحتاج الدنيا قرونا أخرى للوصول إليه.
وكان لسقراط تأثير هائل في الفكر العربي لأن طريقته الاستقصائية للوصول إلى الحقيقة تستند إلى إثارة أسئلة محددة وحكيمة ذات علاقة حيوية بحياة المجتمع. وتلقف العرب هذا المنهج العلمي وصارت ليس الفلسفة والفكر بل أغلب علوم الحياة عندئذ ومنها العلوم الدينية بصيغة سؤال وجواب.
وتأثير سقراط في مسار الفكر الإنساني هائل وما زلنا في حاجة إلى إثارة أسئلة محددة دون خوف أو وجل للوصول إلى حقيقتنا الاجتماعية واستيعاب العالم حولنا.
وتيمنا بالمفكرين العرب القدامى الذين استندوا إلى سقراط لفهم واقعهم الاجتماعي هل بإمكاننا إثارة بعض الأسئلة حول الوضع العربي الراهن؟ وردت هذه الأسئلة في ذهني بعد موافقة الحكومة في سورية على مراقبة ومن ثم تفكيك أسلحتها الكيماوية.
ـــ ما السبب الذي يدفع العرب إلى بناء برامج عسكرية للأسلحة الفتاكة ومن ثم الموافقة على تحطيمها من قبل أعدائهم طوعا أو بالإكراه، بعد أن يكونوا قد أنفقوا قوت شعبهم عليها ولماذا يحدث هذا فقط للعرب؟
ـــ لماذا ينفق العرب أموالا طائلة بل خرافية على شراء الأسلحة، ولكن إن أرادوا حل أي مسألة تخصهم استعانوا بالأجانب لضرب خصومهم من العرب وتخليص شعوبهم وأنفسهم من شرورهم؟
ـــ لماذا هناك 97 مليون عربي أميّ في الدول العربية؟
ـــ لماذا هناك عشرات الملايين من العمال الأجانب في الدول العربية بينما هي ذاتها تعاني معدلات بطالة مخيفة؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي