كل سبتمبر والمملكة بخير
منذ أحداث سبتمبر 11/9 إلى سبتمبر 2013 مرت 12 سنة على ذلك الحدث المفصلي جيوسياسيا، وما حمل من إرهاصات داخلية في أمريكا والمملكة واستحقاقات التوازن بينها. بما أن استحقاقات التوازن مختلفة بسبب اختلاف موازين القوى من ناحية واختلاف التأثير من ناحية أخرى - فالمملكة مستهدفة سياسيا، بينما أمريكا مستهدفة أمنيا على الأقل للوهلة الأولى. استطاعت المملكة خلال سنتين أو أكثر قليلا استعادة توازن العلاقة مع أمريكا، وساعد على ذلك لاحقا استهداف القاعدة للمملكة مباشرة، ما حصن المملكة داخليا وساعد على رص الصفوف بين القيادة والناس، وتورط أمريكا في المستنقع العراقي. ارتفاع أسعار النفط وتخطي المملكة استحقاقات 11/9 وأخطاء الآخرين، هيأت المملكة لتجاوز أحداث الغضب العربي، والآن تعطي المملكة فرصة لمواجهة تحديات التنمية الداخلية التي قد تكون أصعب.
أرادت القاعدة ضرب العلاقة المفصلية بين أمريكا والمملكة اعتقادا منها أن العلاقة تبعية في الجوهر، لكن العلاقة بين الطرفين تشكلها دائماً ومنذ البداية المصالح الاقتصادية والاستحقاقات الجيواستراتيجية في الحفاظ على توازن المنطقة، حيث أمريكا في حاجة إلى شركاء في إدارة الإقليم وسلامة تجارة النفط. المملكة وأمريكا ليسا شريكين في منظومة القيم العامة، حيث المنطلقات الثقافية مختلفة. أظهرت الأزمة المصرية مدى أهمية هذه الاختلافات، فسياسة المصالح لا تعني تطابقا في أحيان كثيرة، نجاحات المملكة أدت إلى تصاعد مركزيتها كقوة إقليمية وكان ذلك واضحا أثناء زيارة مكين وجراهام صقري السياسة الخارجية إلى مصر، وقلة حيلتهما في التأثير في القرار المصري بينما كان الدور السعودي مفصليا.
البيئة الاستراتيجية اليوم يشكلها نجاح المملكة أمنيا وقدرتها على إدارة العلاقة مع أمريكا، وارتفاع أسعار النفط، وجنوح إيران العدواني، وانفلات الكثير من دول المنطقة خاصة العراق وسورية واليمن، وتطورات أمريكا النفطية، وتزايد استهلاك الصين، ما جعل المملكة في وضع فريد.
دور المملكة في التأثير المباشر في إدارة الصراع المصري الداخلي نقطة تحول مهمة لإعادة التوازن العربي في المنطقة كي تعود مصر إلى دورها المعتاد. تبقى سورية في تجاذب بين المخلب الإيراني والحنان السعودي، وما زال العراق يئن من بشاعة وطمع نخبة جديدة لم تحسن التصرف. تبقى إيران في عاصفة اقتصادية ذات مرتكز عاطفي مبني على رغبة جامحة في النفوذ، فالأوضاع الاقتصادية في إيران أسوأ من تلك التي سبقت سقوط نظام الشاه، عدا أن إيران أصبحت منبوذة إقليميا بسبب توظيف حزب الله كمخلب إيراني. لا تزال تركيا في ثنايا صراع بين الحداثة والتجربة الإسلامية من ناحية وتصاعد المطالب الكردية من ناحية أخرى. إسرائيل دائماً في دائرة مختلفة بسبب الاحتلال وفرق الكفاءة مع دول المنطقة، ما يجعلها خارج أغلبية الصراعات، لكن دورها الأمني في توازن المنطقة حاضر. هذه البيئة الإقليمية في غالبها ليست جديدة، لكنها قد تصبح أفضل مع سقوط نظام الأسد.
نظرا لظروف تاريخية خاصة بتداخل الديني مع القومي من ناحية وهشاشة تجارب الدولة الوطنية. وتحديث الدولة الوطنية وانفتاحها على منظومة تعاون مستقبلية تدريجيا يتطلب قوة في الدولة المركزية وارتياحا للوضع الإقليمي، لكن هذا لن يحدث دون استغلال فترة النجاح في تعزيز البناء المؤسساتي داخليا بدءا بالإصلاح الاقتصادي في المملكة لمواصلة القيادة. فضعف اقتصاديات سورية ومصر واليمن والأردن ولبنان يحمل تحديات مؤثرة وطويلة، خاصة أن المساعدات المالية مهما كبرت إلا أنها تبقى تضميدية بطبعها وليست حلولا، بل ستزيد المطالبات على المملكة إن لم تستطع القيادة بالمثال.