رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


النقد الظالم سلاح العاجزين

أظن أن الربيع العربي، خصوصا أحداث مصر، قد قسم الإعلام العربي إلى قسمين لا ثالث لهما، وأصبح كل حزب ينال من الآخر ويكشف سوءاته ويبين عورته ولو مارس الكذب ولفق التهم وتجاوز أخلاقيات المهنة. فقد أصبحنا نسمع هذه الأيام النقد الحاد الموجه لبعض القنوات الفضائية فنرى التشكيك في رسالتها وأهدافها واتهامها بتحيزها إلى طرف دون الآخر.
وإذا كانت بعض القنوات الفضائية متحيزة إلى أحد طرفي النزاع في مصر فهناك قنوات عربية أخرى نعرفها بسيماها متحيزة إلى الطرف الآخر وتبث وتتكلم بلسانه. ولا أريد أن أسرد هنا أسماء بعينها حتى لا يخرج الموضوع عن سياقه وندخل أنفسنا في تصنيفات جاهزة وفي جدل بيزنطي لا طائل من ورائه. ولا ندري لماذا لا نترك الرأي العام العربي يتكون بمحض إرادته؟ فالتناقض الذي نراه في وسائل الإعلام ظاهرة صحية يستطيع المشاهد مقارنة تلك التناقضات والولوج بين الثغرات حتى يصل إلى الحقيقة بنفسه. الذي ننكره ونبغضه كمشاهدين هو طريقة البعض في القدح وتلفيق التهم عندما تتفوق قناة إخبارية على غيرها فتتهمها هذه الأخيرة بتحيزها دون وعي منها أنها تمارس النهج ذاته. لذا يتعين علينا إن أردنا أن نكون منصفين ويقبل نقدنا ووجهة نظرنا أن ننظر إلى الأمر برمته ونحلل الإعلام العربي بأكمله وألا نسلط الضوء على جزء من الصورة ونترك الباقي.
وأريد في مقالي هذا أن أقترح على إعلامنا العربي - فاقد الهوية – آليات عدة قد تعيد إليه عافيته ويسترد مصداقيته حتى يحترمه أتباعه ويثق به مشاهدوه ويعكس رأى أمة بأكملها لا وجهة نظر فئة تبحث عن مصالحها. أريد أن أبين هنا ماذا يجب على إعلامنا أن يعمل - بصفتي مشاهدا وشاهدا على ما أرى- بدل أن يزج بنفسه في المهاترات ويجلب لنفسه الكثير من الأعداء ويزيد تكالب الرأي العام عليه بتبنيه نقد الناجحين والقدح في إنجازات المتألقين.
أولا وقبل كل شيء عليه أن يبتعد عن النقد الموجه غير المبرر لأي وسيلة إعلامية تفوقت عليه في شيء، فالمشاهد ينظر إلى التشكيك في الإنجازات والقدح في النجاحات على أنه غيرة وعجز واعتراف ضمني بنجاح الطرف المضاد. فالقدح والهمز واللمز والتشكيك في القدرات لا يزيد أهل النجاح إلا رفعة وسيجير كل هذا لمصلحتهم. فعلى سبيل المثال طريقة البعض في النيل من القنوات الفضائية التي أثبتت نجاحها بأسلوب سطحي خال من المبررات المنطقية تدل على أننا لم نستوعب بعد المرحلة التي نمر بها وأننا لم نع بعد أن الناس لم تعد تقبل النقد الظالم غير المبرر الذي يحمل في طياته الحقد والاعتراف الضمني بالنجاح والريادة.
وبدلا من هذا التلفيق الذي لا ينفع وهذا التصعيد الذي لا يليق علينا أن نسأل أنفسنا السؤال التالي ونجيب عنه بصدق وأمانة: ما الأسباب الجوهرية لنجاح بعض القنوات الفضائية؟ وما الأدوات التي استخدمتها والأساليب التي انتهجتها القنوات الرائدة حتى أصبحت قبلة الباحث عن المعلومة؟ وكيف اجتاحت هذه القنوات قريناتها ولم تترك لها موطئ قدم؟ لذا أول خطوة عملية هي الكف عن التلفيق والتلفيق وتشويه الصورة ومن ثم إخضاع الحالات الناجحة للدراسة والبحث بجدية عن الأسباب الجوهرية للتألق، فهذه نماذج بين يدينا يمكن الاستفادة منها.
بعد ذلك تؤخذ نتائج الدراسات ويصاغ منها آليات تعين القنوات العربية التائهة إلى مسارها، تلك القنوات التي لا تجد فيها ما يروي ظمأك ليس فقط الإخبارية منها، بل حتى القنوات الدعوية والتثقفية والترفيهية.
وقبل أن تتبنى قنواتنا الفضائية منهجية جديدة للعمل الإعلامي عليها أن تتخذ لها سياسات ضمنية ومنها البعد عن التطبيل لمبدأ بعينه أو دولة بعينها أو رموز دينية أو سياسية أو التحيز الأحمق لقضية أو مبدأ وأن تقدم نفسها للمشاهد على أنها تنقل الحقيقة وليس غير الحقيقة. فقد ترسخ في أذهان المشاهدين العرب أن أغلبية القنوات العربية لا تعكس نفسها، بل تروج أفكار غيرها وقناعات مالكيها. وكي تغير من هيئتها وتبدل صورتها في ذهن المواطن العربي يجب أن تتخلى عن علامتها التجارية التي يعرفها الناس وتضع لها علامة تجارية مختلفة تماما لا تمت للأولى بصلة. ويجب أن ننوه بأن مثل هذا الأمر يتطلب وقتا وصبرا ونحن العرب تنقصنا هذه الخاصية وهي مأساتنا وسر تخلفنا فنستعجل الخطى ونتعجل النتائج. فرغم أن تغيير العلامة التجارية وشعار القناة الرسمي الذي يعرفه الناس قد يعيد القناة إلى نقطة الصفر إلا أنه يضعها على الطريق الصحيح. وهذا المنهج ليس مقتصرا على القنوات ووسائل الإعلام، بل هي خاصية مشتركة لجميع المنظمات التي تريد إعادة بناء نفسها، فالمنشآت الناجحة تغير علامتها التجارية عندما ترى ذلك مناسبا إذا أرادت أن تتخلص من إرثها البغيض وماضيها الأسود بما يخدم مصالحها وأهدافها ورسالتها وفعلت ذلك شركات كبرى أمثال ''نايك'' الرياضية و''سوني'' اليابانية. فعلى سبيل المثال غيرت ''سوني'' علامتها التجارية واسمها القديم الذي ارتبط برداءة المنتج الياباني في منتصف القرن الماضي وتبنت علامة أخرى وهي التي نراها اليوم فظهرت بصورة جديدة في ذهن المستهلك غير تلك التي كانت عليه في خمسينيات القرن الماضي.
وأريد أن أختم فأقول إنه ينبغي لإعلامنا ومنه القنوات الفضائية أن يضع له رسالة لا يحيد عنها ويحدد له أهدافا واضحة يمكن تحقيقها وسياسات تشغيلية يسير عليها وأن يكون على مستوى الوعي الجماهيري، فالنقد الظالم وما يتبعه من تسطيح الأمور يعد سلاح العاجزين، الخانعين، والحاقدين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي