رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


آفاق العلاقات البحرينية - الصينية ومرتكزاتها

استقبلت البحرين في العام الجاري عددا من القادة والمسؤولين الآسيويين الكبار في زيارات رسمية متتابعة بدءا بزيارة قائد القوات المسلحة السنغافورية نيج تشي مينج في مايو المنصرم، فزيارات وزير الخارجية الفلبيني ألبرت ديل روزاريو، ورئيس وزراء اليابان شينزو أبي، ورئيس حكومة كوريا الجنوبية جونج هونج وون، الذين حلوا بها في آب (أغسطس) الماضي. وكانت البحرين قد استقبلت في أيار (مايو) 2012 رئيسة وزراء تايلاند إينلوك شيناواترا، وقبلها في شباط (فبراير) 2009 رئيسة جمهورية الفلبين السابقة غلوريا ماكاباغال أرويو اللتين قامتا بزيارتين رسميتين غير مسبوقتين.
من جانب آخر، قام العاهل البحريني بزيارة رسمية إلى تايلاند في نيسان (أبريل) 2013، سبقتها زيارة رسمية في نيسان (أبريل) 2012 إلى اليابان، كما قام رئيس حكومته بزيارات رسمية إلى الصين في أيار (مايو) 2002، وإلى الهند في أيار (مايو) 2003، ناهيك عن زياراته المتكررة لتايلاند الصديقة. إلى ذلك قام ولي عهد البحرين بزيارات رسمية إلى كل من اليابان وسنغافورة في تشرين الأول (أكتوبر) 2008، وبزيارتين إلى الهند في أيار (مايو) 2007 وتشرين الأول (أكتوبر) 2008، وزيارة رسمية إلى كوريا الجنوبية في نيسان (أبريل) 2012.
ومما لا شك فيه أن مثل هذه الاتصالات على أعلى المستويات تهدف إلى تعزيز علاقات البحرين بالدول الكبرى والأمم الصاعدة في القارة الآسيوية التي لطالما ناشدنا أصحاب القرار العرب بضرورة الالتفات إليها، والاقتباس من تجاربها الوضاءة في مختلف المجالات، والاستفادة من إمكاناتها الكبيرة في الارتقاء بأوضاعنا على مختلف الصعد.
ومما لا شك فيه أيضا أن الزيارة المرتقبة للملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى الصين هي حلقة في سلسلة الاتصالات البحرينية ــــ الآسيوية المتواصلة، وتستهدف إطلاق العلاقات البحرينية ــــ الصينية نحو آفاق أكثر رحابة وأشد صلابة، وتعزيز التعاون المشترك بصورة استراتيجية تعود بالنفع على شعبي البلدين الصديقين، وخصوصا أن صين اليوم ليست كصين الأمس، بمعنى أنها أصبحت ــــ منذ انفتاحها الاقتصادي، وتبنيها سياسات خارجية براغماتية ــــ دولة مهابة الجانب، وصاحبة كلمة في الشأن الدولي ومكانة سياسية واقتصادية وعسكرية وعلمية على الساحة العالمية، وذلك بدليل تحقيقها معجزة لافتة للنظر تمثلت في حلولها ثالثة بين اقتصادات العالم بحصة 7.3 في المائة من حجم الاقتصاد العالمي.
إذا ما تجاوزنا روابط البحرين بالصين في العصور القديمة، زمن طريقي الحرير والبخور اللذين كانا ينطلقان من المدن والمرافئ الصينية في آسيا الوسطى نحو بلاد الرافدين وبلاد الشام ومصر عبر مضيق هرمز مرورا بموانئ مملكتي دلمون البحرينية وماجان العمانية، فإن روابطهما في العصر الحديث لم تدشن رسميا إلا في 18 نيسان (أبريل) 1989 حينما قررا إقامة علاقات دبلوماسية كاملة، تبعها افتتاح البحرين سفارة لها في بكين في تشرين الأول (أكتوبر) 1989 ''مع تعيين حسين راشد الصباغ أول سفير بحريني في الصين''، وافتتاح الصين سفارة لها في المنامة في كانون الأول (ديسمبر) من العام نفسه، وقيام وزير الخارجية البحريني آنذاك الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة في العام التالي بأول زيارة لمسؤول بحريني للصين، وقيام نظيره الصيني ''تشيان تشي تشن'' برد الزيارة في آذار (مارس) من العام نفسه.
وهكذا فمنذ عام 1989 راحت علاقات البلدين تتجذر وتتوطد في مختلف الميادين، من بعد سنوات من التنافر بسبب سياسات الصين الراديكالية تجاه منطقة الخليج العربي. كما شهدت الفترة اللاحقة لإقامة العلاقات الدبلوماسية توقيع سلسلة من الاتفاقيات بين البلدين في بكين مثل اتفاقية التعاون الاقتصادي والتجاري والفني الموقعة في 1990، واتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار الموقعة في 1999، واتفاقية تجنب الازدواج الضريبي في أيار (مايو) 2002، إضافة إلى اتفاقية التشاور السياسي بين وزارتي خارجية البلدين الموقعة في المنامة في أيار (مايو) 2006 بين وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن حمد آل خليفة ونظيره الصيني لي تشاو تشينج''.
وكان من ثمار هذه التطورات أن ارتبط البلدان بعلاقات تجارية واقتصادية قوية نجد تجلياتها في احتلال الصين لموقع متقدم بين الشركاء التجاريين للبحرين فيما خص الواردات من العالم. حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في 2012 مثلا 1.55 مليار دولار مقارنة بنحو 1.2 مليار دولار في 2011. وشملت الصادرات البحرينية إلى الصين التي بلغت قيمتها 350 مليون دولار الألمنيوم والحديد والبتروكيماويات، فيما اشتملت الصادرات الصينية إلى البحرين التي بلغت قيمتها الإجمالية 1.2 مليار دولار، الأجهزة الإلكترونية ومعدات وأدوات البناء والإطارات والملابس والأغذية والكماليات والأثاث المنزلي، وغيرها من البضائع. ومن التجليات الأخرى قيام شركة ديار المحرق البحرينية المعنية بإقامة مشروع إسكاني ضخم في أقصى شمال البحرين بتوقيع اتفاقية مع شركة تشاينا ماكس الصينية لإدارة مجمع تجاري صيني سيقام في المنطقة المذكورة على شكل مدينة صينية بمساحة مليون قدم مربع، لاستضافة نحو 250 مصنعا صينيا وتوفير نحو 65 ألف متر مربع للإيجار.
ولئن كانت البحرين مهتمة بتعزيز علاقاتها بالصين بسبب المكانة السياسية والاقتصادية والاستثمارية المرموقة للأخيرة، فإن الصين من جانبها مهتمة أيضا بتوثيق تلك العلاقات. فالبحرين جزء من منظومة دول مجلس التعاون الخليجي التي يحرص الصينيون على أمنها واستقرارها وإبعادها عن أتون الفوضى بسبب اعتمادهم على مخزونها الضخم من النفط والغاز. حيث يتوقع أن تستورد الصين في عام 2015 نحو 65 في المائة من حاجتها من الطاقة من دول الخليج العربية، ناهيك عن حاجتهم لأسواق الخليج من أجل تصريف بضائعهم، حيث إن السعودية والإمارات والبحرين هي ثالث ورابع وخامس أكبر الأسواق المستقبلة للبضائع الصينية على التوالي.
والبحرين بالنسبة للصينيين، من ناحية أخرى، هي بوابتهم للاستثمار في منطقة الخليج لعدة عوامل مثل موقعها الجغرافي المتميز في قلب الخليج، وتنوع مجتمعها ثقافيا وحضاريا، وامتلاكها بنية تحتية ولوجستية ممتازة وخدمات مصرفية راقية، فضلا عن امتلاكها جيشا من المتعلمين والمؤهلين الشباب.
سياسيا يتبنى الجانبان البحريني والصيني مواقف متماثلة ومتناغمة من القضايا الإقليمية والدولية. فموقفها مثلا متطابق لجهة إبعاد منطقة الخليج عن الأزمات والمماحكات والصراعات، وتحقيق الأمن والاستقرار فيها وفي امتداداتها في بحر العرب والمحيط الهندي، وحل النزاعات بالطرق السلمية، وتحقيق طموحات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وتعزيز العلاقات البينية بين مختلف دول العالم على أساس الاحترام المتبادل والتكافؤ وعدم التدخل في الشؤون الداخلية مع تكثيف التبادل الاقتصادى والتجارى الهادف إلى تحقيق التنمية المستدامة، وضرورة احترام ميثاق الأمم المتحدة وقواعد ومبادئ العلاقات الدولية المتعارف عليها، والمثابرة على دمقرطة العلاقات الدولية منعا لتغول القوى العظمى الغربية واختراقها للسيادة الوطنية للقوى المتوسطة والصغيرة.
إلى ذلك يشترك الطرفان في الدعوة إلى حوار الحضارات ويعارضان المجابهة فيما بينها، وخصوصا أنهما ينتميان إلى حضارتين عريقتين وموغلتين في القدم هما الحضارة الصينية والحضارة العربية ذات الإسهامات العديدة في تاريخ البشرية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي